( 17 ) مدار الأفكار
عزّة النفس
يقول الشاعر العربي :
عش عزيزاً أو مت وأنت كريم = بين طعن القنا وخفق البنود
فاطلب العز في لظى ودع الذل= ولو كان في جنان الخلود
إن عزّة النفس من التعبيرات ذات الدلالة القيمية العميقة وتعني: احترام الإنسان لنفسه ورفضه كل مذلة أو
دناءة أو إهانة أيا كانت المنزلة والمكانة الاجتماعية للذي يمسها، وهي من ناحية أخرى نقيض التكبر أو
الكبرياء وادعاء عظمة لا يملكها ولا يستحقها ومن سمة المتكبر التعالي على معظم الناس العاديين والتملق
والتزلف لأصحاب النفوذ والثراء، والعزة تعني كذلك كما جاء في قواميس اللغة العربية: الرفعة والغلبة
والامتناع، والشدة والقوة، وفي سورة فاطر يقول الحق سبحانه وتعالى: «من كان يريد العزّة فلله العزّة
جميعا»، ويقول سبحانه في سورة المنافقون: «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين»، ويقول النبي صلى الله عليه
وسلم لعائشة: هل تدرين لم كان قومك رفعوا باب الكعبة؟ قالت: لا، قال: تعززوا إلا يدخلها إلا من أرادوا،
أي تكبروا وتشددوا على الناس، ويقول الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه : «لا تسع بقدميك إلى من
يراك دونه فتصغر في عينه، واجعل انقطاعك عنه في مقابلة كبريائه، فإن عزّة النفوس تضاهي جاه الملوك،
فأنت إن قبلت نصحي رشدت، وإن خالفتني كنت كمن صير الماء العذب إلى أصول الحنظل، كلما ازدادت
ريا ازدادت مرارة»، ويقول يحيى بن خالد: «إنما يراك الإنسان بقدر تصويرك لنفسك فإن عززتها رؤيت
عزيزة، وإن أهنتها رؤيت مهانة.ويكمل هذه العزة - كما يقول الدكتور إسماعيل صبري :التواضع مع بسطاء
الناس والضعفاء والمظلومين ومساعدتهم في صعاب الأيام.وتعدّ عزّة النفس الثروة الحقيقية الغالية في رصيد
الشخصية عند فهمها على حقيقتها وتوظيفها لأساليب ومقاصد ايجابية، ولا يوجد على وجه الأرض من لا
يريد إن يعيش عزيزا، وينعكس ذلك على نفسه وفق تأثير درجة الصفة في ذاته، ولعزة النفس علامات
يوجزها الأستاذ إسماعيل رفندي في: التزام الإنسان أهدافه أيا كانت الظروف، والثبات بقوة أمام العوائق،
والعفة والاستغناء وعدم الشعور بالنقص والجرأة في توضيح ما يريد وما في نفسه، ولا يتأفف من الحسرات،
ولا يطلق الآهات حين تدور حوله المعاناة، وغالبا لا يعترف بالعجز ويحب الاعتزاز والحركة والحيوية،
وحتى يكونللفرد دور في امتلاك عزة النفس يجب إن يكون صادقا مع نفسه ولا يخلط بين الحقيقة الشخصية
ومدح الآخرين، ويمتلك القدرة على بناء النفسية المتوازنة وتوظيف ذلك لتحسين العلاقات، ولديه القدرة على
الاستمرارية في برامج التطوير والنجاح، وأن يتحمل الظروف الصعبة ويجعلها مهمة شخصية، وأن يتجنب
دوائر العجز والجمود لأن ذلك يحمي الشخصية ويسبب ترددها باستمرار، ومن سلبيات فقدان عزة النفس:
الانحراف عن المسارات السوية، وعدم تقدير الفرد ما له وما عليه، ونسيان القيمة الذاتية وتحقير الذات،
والازدواجية في الشخصية، وافتقاد الخصال السلوكية الحميدة مثل الحياء والاحترام والوفاء كما إن من يفقد
عزة النفس يفقد احترام الغير ويقع في كثير من الخطايا مثل الكذب، والرشوة، وأكل المال الحرام وغيرها.
تقول جامـل قلـت لا لا ولا لا= ومليـون لا ولا وألفيـن كـلا
يقهر عزيز النفس جيش المحالا=بقوّ الشموخ وعز رأس ٍ تعـلا