( 15 ) مدار الأفكار
آخر السيوف
يقول الشاعر العربي :
كل حي على المنية غــادي= تتوالى الركاب والموت حـادي
ذهب الأولـــون قرناً فقرناً=لم يدم حاضر ، ولم يبقَ بادي
من القدر أن تهوي النجوم ويترجل الفرسان وتغمد السيوف ويرحل الرجال، وقبل يومين مرت بنا الذكرى
السابعة عشرة لرحيل آخر أنجال الشيخ مبارك الصباح، مؤسس الكويت الحديثة، وهو الفارس العربي الأصيل
ورجل المواقف والإنسانية الشيخ عبد الله المبارك الصباح،رحمه الله وطيب ثراه، الذي ولد بمدينة الكويت في
23 أغسطس 1914، وقد عشق الصحراء منذ طفولته وتربى في أحضانها، واكتسب منها الفروسية والجلد
والصبر وقوة العزيمة والطموح وبعد النظر والشموخ حتى أصبحت الفروسية رمز حياته، وجسر علاقاته مع
أهل البادية والحاضرة. وفي عهد الشيخ عبد الله السالم الصباح الذي حكم البلاد خلال الفترة من 1950 حتى
1965، تولى الشيخ عبد الله المبارك مهمات نائب الأمير القائد العام للجيش والقوات المسلحة والمدير العام
للأمن والشرطة ورئيس المجلس الأعلى للمعارف، وامتد نشاطه إلى كثير من المجالات، فقد أسس إذاعة
الكويت عام 1952، ونادي الطيران ومدرسة الطيران عام 1953، وهما نواة سلاح الطيران الكويتي، ويعد
أحد واضعي اللبنات الأساسية في بناء القوات المسلحة الكويتية منذ تعيينه قائدا عاما للجيش عام 1954،
وكذلك أوجد دائرة الطيران المدني 1956، كما أنه يعد الرئيس الفخري للنادي الثقافي القومي، وفي عام
1958 دعا لانضمام الكويت إلى جامعة الدول العربية، وألغى تأشيرات الدخول بالنسبة للعرب رغم معارضة
الوكيل السياسي البريطاني، وبذلك رسخ شعار «الكويت بلاد العرب».وساهم في إقامة أوسع العلاقات مع
العواصم العربية، وكانت له علاقات مميزة مع كثير من الشخصيات العربية، منها الملك سعود بن عبد العزيز
آل سعود والرئيس جمال عبد الناصر والرئيس أنور السادات والرئيس سليمان فرنجية وغيرهم.
وفي أبريل 1961، استقال من جميع مناصبه وقرر عدم الاستمرار في الحياة السياسية، ولكي يؤكد أن قراره
نهائي أقام في الخارج حتى منتصف السبعينات، إذ عاد للاستقرار بالكويت، وانتقل إلى جوار ربه في 15
يونيو 1991، وفي ذكرى وفاته تقول رفيقة عمره الدكتورة الشيخة سعاد الصباح: «بعد رحيل الرجل الكبير
عبد الله المبارك عن سماء عيني وعين الكويت، أشعر بأن مكانه لا يزال خاليا، وأن فراغه يزداد فراغا،
مضت سنوات على رحيل عبد الله المنارة والقنديل والفارس، ولم تبق سوى صورته تطل من علياء القصر
الأبيض كصورة نسر خرافي».وكذلك كتبت في رثائه قصيدة معبرة جسدت فيها معاني الوفاء بالرثاء
وضمنتها كتابها الموسوم «آخر السيوف» ومنها نقتطف:
ها أنت ترجع مثل سيف متعـب= لتنام في قلـب الكويـت أخيـرا
يا أيها النسر المضرج بالأسـى= كم كنت في الزمن الردي صبورا
كسرتك أنباء الكويت ومـن رأي= جبلا بكـل شموخـه مقهـورا
ما كان يمكن أن تعيش لكي ترى= باب العريـن مخلعـا مكسـورا
يا فارس الفرسان يا بن مبـارك= يا من حميت مداخـلا وثغـورا
ورغم رحيل عبد الله المبارك آخر السيوف والأمير الإنسان،
سيبقى من منارات العطاء والوفاء وراسخا في قلوب محبي الكويت الأوفياء.
يا كاتب التاريـخ سجـلّ للأجيـال=سجلّ شيم وأمجاد رؤوس الرجاجيل
أنصف ترى الإنصاف ميزان الاعمال= يجلي الدجى والظلـم ويبـدد الليـل
عبد العزيز الفدغوش
الأربعاء, 18 - يونيو - 2008