(251) مدار الأفكار
ظاهر الطاهر
يقول الشاعر العربي :
الموت لا والدا يبقي و لا ولدا= و لا صغيرا و لا شيخا و لا أحدا
للموت فينا سهام غير مخطئة= من فاته اليوم سهما لم يفته غدا
إن الله قد كتب على عباده الموت والفناء,وتفرد سبحانه بالحياة والبقاء,قال تعالى: (كل نفس ذائقة الموت ثم
إلينا ترجعون) [ العنكبوت :57 ] ,وقال جل وعلا: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ*وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ)
[الرحمن:26-27],وقال تعالى: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ )[الأعراف:34] ,فالموت
واقع مكتوب,وأجل محتوم مرهوب,يأخذ الأصاغر والأكابر,ونعيش قضيته الحتمية ونعايشها فهي حقيقةٌ لا دفع
ولا تأجيل لها,ولا محيد ولا مفر منها,والناس أمامها سواء,فالمصير المعلوم والأجل المحتوم المرسوم يواجه
الآباء والأبناء,والأغنياء والفقراء,والضعفاء والأقوياء,والرجال والنساء,والشجعان والجبناء,ودهماء الشعب
والرؤساء,والجهلاء والعلماء,والعامة والوجهاء,والأشقياء والأتقياء,فالموت منهل يرده الجميع,من رفيع ووضيع
,فليس له دافع,ولا علاج ناجع نافع,ولا تجدي في دفعه حيلة,ولا ترده طريقة ووسيلة,فلا مفر من الاستسلام له
والانقياد,والعمل ليوم الجزاء والمعاد,قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من ذكر هادم اللذات ) ,أي:الموت
,وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل ) ,
وكان ابن عمر يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح,وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء,وخذ من صحتك لمرضك
,ومن حياتك لموتك ) ,ويقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( نسيان الموت صدا القلب ) ,وقال
الحسن البصري رحمه الله: ( فضح الموت الدنيا, فلن يترك لذي لبٍ بها فرحاً ) ,ويقول الشاعر: ( تزود من
التقوى فإنك لا تدري* إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجر ,فكم من سليمٍ مات من غير علةٍ *وكم من سقيمٍ عاش
حيناً من الدهر,وكم من فتىً يمسي ويصبح آمناً *وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري) ,وقال غيره : (الموت حق
والدار فانية *وكل نفس تُجزى بما كسبت ,ما كل ذي حاجة بمدركها *كم من يد لا تنال ما طلبت) , وقال
شاعر آخر: (ألا كل مولود فللموت يولد *ولستُ أرى حياً لشيء يُخلّدُ ,تجرّد من الدنيا فإنك إنما *سقطت إلى
الدنيا وأنت مُجرّدُ ,وأفضلُ شيء نلت منها فإنه *متاع قليل يضمحلُّ وينفدُ ,وكم من عزيز أَذهبَ الدهرُ عزَّه
*فأصبح محروما وقد كان يُحسدُ ,فلا تحمد الدنيا ولكن ذمّها*وما بال شيء ذمّه الله يُحمدُ) ,ويقول الشاعر:
(هو الموت ما منه ملاذ ومهرب * متى حٌُُط ذا عن نعشه ذاك يركب ,نؤمل آمالاً ونرجوا نتاجها *وباب
الردى مما نؤمل أقرب) ,وقال لبيد بن ربيعة عن الموت: (وما المال والأهلون إلا ودائع *ولا بد أن ترد
الودائع) ,ويقول غيره: ( الموت داء لا دواء له*إلا التقى والعمل الصالح) ,وقيل: ( وما الموت إلا رحلةً غير
أنها*من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي) ,وفي 28 مايو 2011م انتقل إلى رحمة الله تعالى العم الفاضل
ظاهر ماضي الحربش الذي قال عنه الزميل عبد العزيز صباح الفضلي: ( ولمن لا يعرف الفقيد رحمه الله
فنقول إنه كان موصوفاً بالشجاعة والكرم,عزيز نفس,عفيف لسان,لين الجانب,وعرف عنه التواضع والطيبة
والرحمة بكل من حوله,رعى أبناءه فرباهم خير تربية وحرص على تعليمهم حتى حصل معظمهم على درجة
الدكتوراة,ولم يرحل عن الدنيا إلا بعد أن خلف من ورائه أبناء يفتخر بهم,ومنهم الدكتور جمعان,والذي حرص
على رد بعض الجميل لوالده,فرغم كثرة انشغالاته والتزاماته إلا أنه حرص على ملازمة الفقيد في المستشفى
إلى آخر لحظة في حياته) , ويعد العم أبو سالم ظاهر الحربش من وجهاء قبيلة عنزة,ومن أبرز أدباء ومؤرخي
الكويت, فقد كان رحمه الله علما في الشعر والأدب والتاريخ والمواقع ومعرفة الأنساب,وعرف بسمو الأخلاق
والكرم والمواقف الطيبة,وتميز بالنزاهة وعفة اللسان,ونقاء القلب وفصاحة البيان,فلم يطرق شعر الهجاء ولم
يتكلم في سيرة أحد بسوء,فهو النموذج الأمثل للنقاء والتواضع والوفاء,فهو (ظاهر الطاهر) ,ومعنى اسم ظاهر
يعني الظهور على العدو غلبة وانتصارا,وفي الظهور وضوح وعلو,وطاهر تعني النقي النظيف الشريف
الأصيل البريء من العيوب,وهو كذلك كما عهدناه ولا نزكي على الله أحدا,فقد عرفناه تقيا نقيا مخلصا ورعا
محدثا لبقا مؤثرا,وسيبقى ظاهر الحربش رغم رحيله حاضرا في الأذهان من خلال سيرته العطرة وذكره
الحسن ويصدق فيه قول القائل: ( دقات قلب المرء قائلة*إن الحياة دقائق وثوان,فاختر لنفسك بعد موتك
ذكرها*فالذكر للإنسان عمر ثان ) ,نسأل المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته,وأن يكون ما أصابه
من مرض تكفيرا وطهورا,وأن يسكنه فسيح جناته,وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة,وأن يلهم أهله
وذويه الصبر والسلوان .
مرحوم يا ظاهر عريب المجاني = يا معدن الإخلاص والرأي والدين
الله يبيحك يا عفيف اللساني = يا صاحب المعروف والمنطق الزين
نشهد بزودك بالخفاء والبياني= ولك بالمواقف يا بو سالم براهين
بين الورى ما دام صفو الزماني =ولا خلدت دنياك خير النبيين
عسى مقرك في نعيم الجناني = في جنة الفردوس بين التقيين