وفي صباح يوم شتوي مثلج قارص ألبرودة ... والكل مختبئ في حصونه مزمل بفراشه ومن ضمنهم ألكاتب ... إلا أني شدني ألنظر منبهرا ألى شيب ألأرض ألكثيف والذي
غطاها فزادها وقارا وجمالا وروعة ... فمنذ ثلاثة أيام والسماء تضفي هذه ألصبغة ألبيضاء على رأس ألأرض ألهرم ... حتى أنقطعت ألطرق وعز فيها ألمارة وأنقطعت ألأصوات
والحركات ... إلا من حفيف ألرياح وحركة هطول ألثلج ... فبقيت بذلك أليوم معتكفا في شقتي ... وقد أحكمت غلق ألأبواب ... خوفا من مرور ألنسائم ألباردة منها وأغلقت
بشدة كل شبابيكي ... إلا أني فتحت ستائرها ألحريرية ألحمراء ذات ألبطانة ألبيضاء والتي تشبه بقرمزيتها لون أثاثي وسجادتي ألكاشانية ... ولقد فتحتها كي أتلذذ
وأستمتع بالنظر ألى ألسماء ألمكتحلة بلون ألغضب ... فعجبت لهذا ألغضب ألحكيم كيف يجزل هذا ألعطاء والنقاء ... واللذي ينزل بكل ألحب والشوق ليحتظن ألأرض بحنان
...وليندمج مع من سبقه أليها وينصهر معه في عرس شتوي منقطع ألنظير ...
ولقد أدنوت مني برفق مدفئتي ألحمراء ... والتي تشوقت لأحتظانها ولكم تمنيت أن أدللها وأتغزل بها ... لأنها تقاتل ألبرد من أجلي ...وتحرق نفسها لكي تدفئني ... وآه كم
لذيذ هذا ألدفئ أللذي يحتظن أجزائي فيشعرني بالأمان والسرور ... بينما أنا جالس على كرسي هزاز نمريي ألألوان ... والمغطى بسجادة هندية قد رسم عليها بعض
ألحسناوات ألباسمات وقد أنتصفت جباههن طبعة ألتميز ألحمراء ... فجلسن يتسامرن على جدول رقراق تحفه بعض ألزهور والأحراش ... وأخذن يملأن جرار ألماء وكأنهن
يشعرن بظمئي ويتسابقن على سقائي ... بينما أنا أرتشف قهوتي من فنجاني ألأخضر ألكبير واللذي نقشت عليه بعض ألوريدات ألصفراء ... وبعد أكمالي لشرابي أتتني
تلك ألشهوة ألسادية ... على تلك ألرشيقة ألجميلة ألممشوقة ألقوام ذات ألكعب ألأصفر... والتي كم أشفق على جسدها ألرقيق أللذي بلون هذا ألثلج بل أرق وأنعم وأدفأ
منه ... ومع هذا فلقد وشمه ألنخاسون أولائك ألمتاجرون بها ليثبتوا أمتيازهم وأحتكارهم لها بكلمة ( مارلبورو ) ألا أني لا أشفق عليها عندما أحرقها بولاعتي ألفضية ...
لأشهق فيها أهاتي وأزفرها بعيدا عني ...
وهذا ماأشتهيه وأبادر أليه فور أكمالي لفنجان قهوة أو كوب شاي ... وعندما مددت يدي ألى تلك ألعلبة ألتي كانت مساء ألبارحة مليئة بالممشوقات ... فلم أجد فيها ألآن ولو
أحدى ألرشيقات أو حتى ألبدينات ... فصببت نقمي غيابيا على تلك ألعجوز ألتي تعمل عندي ... والتي لم أشغلها لجمالها أو لحسبها ونسبها أو لأنها تحسن ألتدبير والترتيب
لمنزلي بعد فوضويتي وشخابيطي ... ولكني قبلت تعيينها لأنها تتقن أللغة ألعربية وتتقن مجادلتي وتأنيبي ... حتى أحيانا وأذا كنت موجودا أنا من يساعدها في ترتيب ألبيت
وأعداد ألطعام وأحيانا أخرى أسقيها دوائها ... لأني أقدر ألشيبات وأوقر ألكبير ولأني أحترم ألتأريخ ... فهي كانت عروس وأمي مازالت في بطن جدتي ... وكانت عندما تذهب
مساءا ألى بيتها أعطيها قائمة بطلباتي ومنها دخاني كي تأتيني صباحا بما أريد وأشتهي ... وأرضى لها بأن تزعجني بأيقاظي ... إلا أن هذه ألمرأة لم تأتيني أليوم بسبب
ألثلج ... فلقد أختارت ألدفئ لعظامها ألنخرة بجانب زوجها ألذي يكبرها سنا ... وبالتأكيد أنه لايحس بها ولايعلم حتى بوجودها بقربه ... ولو أنها
أتتني أليوم بما أريد ... ثم طلبت مني وأشرت لي بخنصرها لطلقتها بالفور من زوجها ألخرف ولزوجتها ألى شاب جميل مفتول ألعضلات لتعيد به ومعه شبابها ألمفقود ...
ولكنها لم تأتي وآثرت ألبقاء على ألمجئ ... لذلك قررت ألمغامرة والنزول في هذا أليوم ألعاصف لألبي نداء نزوتي ألعارمة ... فأذهب لأشتريها من ألسوبر ماركت واللذي
يبعد ثلاثمائة متر عن محل سكني فدخلت ألى غرفتي ولبست ثياب ألكابوي وعليها معطفي ألأسود وعتمرت قبعتي ألكابونية وقد تدلى من تحتها وشاحي ألأسود واللذي
لففته على رقبتي بأحكام ... نعم أني أستعد لمعركة ألبرد فأنا أحب ألثلج لأنظر أليه فقط لا أن أسير فيه ... وبعد أكمال عدتي وأناقتي ورششت من عطري ألأخضر ألذي
يستقر في قارورته ألخضراء ألداكنة ... والتي نقش عليها فرس ذهبي جامح وقد أمتطى صهوته ذاك ألفارس ألذهبي والذي يحمل بيده عصا لرياضة ما ... فأنا أميزه من بين
باقي عطوري ألكثيرة ... ولأني أحب ألتأنق في غربتي لأثبت للأغراب بأن ألعربي هو ألأكثر أناقة ظاهر وباطنا ...أو لعلي أجد عربية فأثير أعجابها فتعوضني بعض ألشئ
عن وطني وأهلي ... فتوجهت ألى باب شقتي ألصاجي ذو ألقبضة ألذهبيه والذي أحكمت أغلاقه بعد خروجي ... لأتوجه نحو ألمصعد فوجدت لافته بيضاء معلقة على بابه
وكتب عليها باللون ألأزرق ... والحقيقه أني لاأعرف قرائتها ألا أني أفهم معناها جيدا ... والتي تخبرنا بأن ألمصعد عطلان فلقد عودنا على ذلك صاحب هذه ألبناية ذات ألأربع
طوابق وبواقع شقتين كبيرتين ومتقابلتين في كل طابق ... وأن جاري شخص روسي ألأصل ومقرنا في ألطابق ألثالث وقلما نلتقي على بابينا أو ألمصعد ... فلا أفهم منه
ولايفهم مني سوى كلمة هلو .. هلو
واليوم معطل بوجهي هذا ألمصعد ألجميل لهذه ألعمارة ألجميلة ... والتي بعكس مالكها ذو ألأنف ألطويل والوجه ألأصفر والظهر ألمنحني وعصاه ألسوداء فيتكئ عليها وليس
له فيها أي مآرب أخرى ... صاحب ألصوت ألأجش ألأنكر ألمرتفع ... والذي لطالما تعالى صراخه مع سكان ألبناية بسبب أستيائهم منه ومن بخله وطمعه وجشعه ...فكل فترة
يأتينا بقصص واهيه وأدعية كاذبه ... لكي يرفع ألأيجار فيثور ألسكان عليه حنقا وغضبا ... وأبقى أنا ألضاحك ألوحيد بينهم ...ربما لأني لا أتدبر لغتهم ... أو لأني أريد أحراق
أعصاب هذا ألعجوز ألوقح ... أو ربما أني علمت نفسي وطوعتها في ألمواقف ألسيئه ... بأن أتصور شيئا مضحكا ينسيني أستيائي ونقمي ... فأتصور حينها مثلا هذا ألعجوز
وقد نزعت عنه ثيابه فبرز هيكله ألعظمي ألذي لايكسوه سوى جلده وقد علق من أذنيه ألكبيرتين بخيط شفاف وتحته واد سحيق ... فأبدء بالضحك وعذرا لكم ولا تعتبروها
قسوة وصفاقة مني ... ولكني أكره ألكاذبين واللذين لايلتزمون بموثق وعهد ... وكما أخبرتكم فقد علمت نفسي بغربتي أن أتصور ألفكاهات بالمواقف ألضاغطه لكي لا يرتفع
ضغط دمي ولأخفف من ردة فعل ألصدمة في نفسي ... ولذلك وعندما وجدت ألمصعد عطلان قلت لنفسي هذا أفضل ... لكي أنزل ألسلم هرولة مما سينشط من سرعة
ألحركة ألدموية عندي ويشعرني بالدفئ ... فليس ألمهم في ألبرودة تعب ألقدمين وأنما ألمهم ألحصول على شئ من ألدفئ ... لذلك طبقت ما فكرت به وعند نزولي ألى
ألردهة ألمرمرية والمؤدية لباب ألولوج ألى ألشارع وخروجي منه ... فأول ماوقعت عليه عيني هو مكان سيارتي ألسوداء ... والتي صنعها ذلك ألرجل ألألماني ألعتيد واللذي
قال لحبيبته في لحظة سمر أنه سيصنع شيئا يخلد أسمها عليه ... وبالفعل صنع هذه ألسيارة ألتي لايستغني عنها ملوك ورؤساء وأثرياء ألعالم ... ألا أني ألآن لا أميزها من
بين أسراب ألسيارات ألمرصوفة على جانبي ألطريق ... وقد أتشحن كلهن وتدثرن جميعهن بنفس أللون ألأبيض ...ثم توجهت ماشيا متباطئا حذرا نحو مقصدي وهدفي ... ومع
هذا فلقد تزحلقت قدمي وسقطت هامتي ثلاث مرات ... وأنا أدردم وأشتم تلك ألشغالة ألشمطاء ألتي لم أجدها أليوم ... وكانت من ألغائبين فأتوعدها بالعذاب ألشديد أو
لتأتيني بسلطان مبين ...
حتى وصلت تقريبا على مسافة خمسين مترا عن ألسوق ... فلمحت شابة أبيه مغواره وفيها كل ألصفات ألعربية... وكأنها أميرة طلت من عهود ألدول ألأموية والعباسية
والعثمانية ... وقد دخلت ألى هذا ألسوق فلا أعلم مالذي جرى لخطاي ألمثقلة ... عندما أصبحت تسابق ألريح وأين أصبح هذا ألثلج أللذي يغطي ألطريق فلا يرى منه مقدار
أنمله حتى أصبح ألطريق معبدا مفروشا بالياسمين وأكاليل ألغار لنصر جديد وفتح عظيم فأعلنت ألنفير ألعام لكل جيوشي وأسرجت خيولي وجهزت أسلحتي وهجمت على
هذا ألحصن ألمنيع وعند وصولي لبابه ألزجاجي ألشفاف فتح أمامي بدون ضربة منجنيق أو رمية سهم بل حتى وبدون أي لمسة من أناملي البيضاء ... فتح أمامي بدون كل
هذا ياألله أنها بشارة ألخير فلعل أبواب قلبها تفتح أمامي كهذا ألباب ولكن كبير هذا ألسوق وعلي ألبحث في كل طوابقه وأقسامه فنسيت ماجئت من أجله وبدأت ألبحث
عن ألأهم ... ولكنها قد تبخرت وكأنها قطرة ماء سقطت في وعاء ملئ بالجمر وأنا أبحث وأبحث بكل جهد فلا أجدها لعلها قد خرجت من ألباب ألخلفي أو لعلي خيلت لي
أضغاث أحلامي سراب ألماء للعطاشى ألهالكين... وبينما أنا مابين ألحيرة وأنقطاع ألأمل لمحتها من جديد فبدأت أحلق حولها كما يحلق ألفراش حول ألنور بليلة ظلماء ولكني
بحياء ومهابة وهدوء ...حتى أصبحت مسافة ذراع ألى درجة أني أسمع خطاها ... حتى في مرة سمعت صوتها وهي تقرء شيئا لأعلان موجود على أحد ألرفوف فأطربت
مسامعي نغمات رائعة ألأتقان فلم أطيق ألصبر على صمتي وخجلي فأقبلت عليها بكل شجاعة وعزيمة فبادرتها ألسلام فردت علي بأحسن منه فسئلتها عربية أنتي ؟ قالت
نعم ومن جبال ألآرز فقلت لها وأنا من وادي ألحضارات ... ثم تحاورنا قليلا عن هموم وطنينا وأحزان غربتينا وكما أثار أعجابي جمالها ألأخاذ وملبسها ألبسيط ألأنيق فلقد
بهرني روعة أسلوبها وأحتشامها وأتساع ثقافتها وقوة شخصيتها ونقاء وطنيتها وعروبتها... فسئلتها وماذا ستشترين قالت زيتا وسكرا وبعض ألفستق والخبز ... وهل تحبين
أن أوصلك لبيتك أو أساعدك في شئ ؟ شكرا لا أحتاج ... فبيتي قريب في نهاية ألشارع ... وأنا في بدايته ولكي تعلم بأني لست ذئبا يبحث عن فريسة كما يفعل وللأسف
بعض ألشباب أللذين تناسوا أن لهم أم وأخت وفي يوم من ألأيام ستكون لهم أبنه ... فعليهم أن يحافظوا على شرف ألناس لكي يحافظ ألله على شرفهم وليكن مبدئهم ألحلال
بما فرضته جميع ألأديان ألسماوية وعاداتنا وتقاليدنا ألعربية ألأصيلة ...
ولا تتصوروا أن تعرضي بالحسنى لهذه ألفتاة يتناقض مع كلامي هذا ... كلا ... أبدا ولكن لسان ألواقع والحال يقول بأني قابلتها بكل ألشرف والأمانه ولا أبغي غير ألحلال
ولأننا في بلد أجنبي وأنا عربي مسلم وهي عربية مسلمه مما أعطانا هذا ألوصف ثلاثة حقوق وهم ألأخوة في ألدين والقومية والغربه ... لذلك أعطيتها وبكل ألنبل
والأحترام بطاقتي ... وقلت بها متى ما تحتاجين عونا وسندا ستجديني حاضرا ألبي ألنداء ... فتوادعنا وكل منا ذهب في طريقه ... ثم بعد فترة أتصلت بي هاتفيا للسؤال عني
والأطمئنان عن أحوالي وهكذا بقت أتصالتنا متندرة حتى أنتهى ألشتاء ...وفي يوم ربيعي أتصلت بي لتطلب رؤيتي في حديقة عامة كبيرة تقع في أحد أطراف ألمدينة ألتي
نقطنها... فذهبت على ألموعد وأنا بكامل أناقتي ولياقتي وكنت أنظر أليها من بعيد وهي واقفة بالقرب من بوابة هذا ألمنتزه ... حتى رصفت سيارتي قريبا منها ثم نزلت
وتوجهت نحوها وستقبلتني بمنتهى ألتكريم والترحيب ... فدخلنا ونحن نتمشى في بداعة هذا ألمكان أللذي ملئته بأنتظام أشجار ألبلوط والجوز وأشجار لا أعرفها ...ونتشرت
عليه بتنسيق مختلف ألوان أنواع ألزهور حتى لاحت لنا من مسافة بحيرة صافية وكأنها قطعة زجاجة زرقاء وقد أنعكست عليها صورة ألسماء وندمجا معا ليكونا جسدا واحدا
بمنتهى ألروعة والجمال ثم توجهنا ألى هذه أللوحة ألخرافية ونحن نتحدث عن أبداع ألخالق عزوجل حتى ................... يتبع ..- نهاية
الجزء الثالث -
مع حبي وتقديري ... عاشق الرافدين
ra,v hgtsjr hg[.x hgehge _3_ hg[sl hgtsjr _3_