(249) مدار الأفكار
النصر الأكبر
يقول الشاعر العربي:
يا ناصر الإسلام يا من بغزوه = على الكفر أيام الزمان مواسم
تهنَّ بفتح سار في الأرض ذكره =سرى الغيث يحدوه الصبا والنعايم
تمر اليوم الذكرى الـ( 558) للفتح العظيم والنصر الأكبر,والذي حصل في 29 من مايو عام 1453م وبذلك
تحققت البشارة النبوية بفتح القسطنطينية والتي تم انتظارها لأكثر من ثمانية قرون فقد أخبر النبي صلى الله
عليه سلم صحابته الكرام عنها أثناء حفر الخندق حول المدينة المنورة عام (5 هـ-627م ) فقال لهم مبشراً:
(لتفتحن القسطنطينية,فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش),وقال أيضا: (أول جيش يغزو القسطنطينية
مغفور له) ,وقد أصبح فتح القسطنطينية حلمًا غاليا وأملا عزيزا يراود القادة والفاتحين على مر الأيام وكر
السنين,وظل هدفا مشبوبا يثير في النفوس رغبة عارمة في تحقيقه حتى يحظى صاحب الفتح المبين بثناء النبي
الأمين رسول البشرية وسيد المرسلين,وفي عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بدأت المحاولات الجادة
لفتح القسطنطينية فكان أول جيش يغزوها بقيادة الأمير يزيد بن معاوية وكان معه أبو أيوب الأنصاري رضي
الله عنه وبلغ من إصرار معاوية على فتح القسطنطينية أن بعث بحملتين الأولى سنة (49 هـ =666),
والأخرى كانت طلائعها في سنة (54 هـ = 673م) ,وظلت سبع سنوات وهي تقوم بعمليات حربية ضد
أساطيل الروم في مياه القسطنطينية لكنها لم تتمكن من فتح المدينة العتيدة,وكان صمودها يزيد المسلمين رغبة
وتصميما في معاودة الفتح,فنهض سليمان بن عبد الملك بحملة جديدة سنة (99 هـ = 719م) ادخر لها زهرة
جنده وخيرة فرسانه,وزودهم بأمضى الأسلحة وأشدها فتكا,لكن ذلك لم يعن على فتحها فقد صمدت المدينة
الواثقة من خلف أسوارها العالية,ثم تجدد الأمل في فتح القسطنطينية في مطلع عهود العثمانيين حيث كانوا من
أشد الناس حماسا للإسلام وأطبعهم على حياة الجندية,فحاصر المدينة الصامدة كل من السلطان بايزيد الأول
ومراد الثاني,ولكن لم تكلل جهودهما بالنجاح والظفر,وشاء الله أن يكون محمد الثاني بن مراد الثاني هو
صاحب الفتح العظيم والبشارة النبوية الكريمة,والذي يعد من أكثر سلاطين الدولة العثمانية عزما وطموحا وقد
وتولى السلطنة بعد وفاة أبيه في(5 من المحرم 855هـ = 7 من فبراير 1451م) ,وهو فتى في الثانية
والعشرين من العمر ,وكانت فكرة الفتح قد سيطرت على عقله وكل جوارحه منذ توليه زمام الأمور في بلاده
فلا يتحدث إلا في أمر الفتح ولا يأذن لأحد من جلسائه بالحديث في غير الفتح الذي ملك قلبه وعقله وأرقه
وحرمه من النوم الهادئ,وأعد لذلك جيشا ضخما وصل به إلى أمام أسوار القسطنطينية في يوم الجمعة (13
من رمضان 805هـ الموافق 6 من إبريل 1453م) ونصب سرادقه والمدافع القوية ومركز قيادته ثم صلى
ركعتين وصلى الجيش كله,وبدأ الحصار الفعلي للمدينة وطوقها من البر والبحر وطلب من الإمبراطور
قسطنطين تسليم المدينة إليه وتعهد باحترام سكانها وتأمينهم على أرواحهم ومعتقداتهم وممتلكاتهم ولكن
الإمبراطور رفض معتمدًا على حصون المدينة المنيعة ومساعدة الدول النصرانية له,مما دفع السلطان
العثماني إلى حشد زهاء 100 ألف مقاتل أمام الباب الذهبي ورابط في القلب مع جنده,واحتشدت في الميناء
70سفينة وبدأ الهجوم برًا وبحرًا,واشتد لهيب المعركة وقذائف المدافع,وتكبيرات الجند التي ترج المكان فيُسمع
صداها من أميال بعيدة,وخلال ثلاث ساعات من بدء الهجوم كانت المدينة العتيدة تقع في أيدي الفاتحين,ولما
دخلها محمد الفاتح ظافرا ترجل عن فرسه,وسجد لله شكرا على هذا الظفر والنجاح,ثم توجه إلى كنيسة (أيا
صوفيا ) حيث احتشد فيها الشعب البيزنطي ورهبانه, فمنحهم الأمان,وأمر بتحويل الكنيسة إلى مسجد ,وقرر
الفاتح الذي لُقِّب بهذا اللقب بعد الفتح اتخاذ القسطنطينية عاصمة لدولته,وأطلق عليها اسم (إسلام بول) أي دار
الإسلام وفي ذلك النصر المؤزر يقول الشاعر: ( الله أكبر هذا النصر والظفر*هذا هو الفتح لا ما يزعم البشر)
,ويقول شاعر آخر: ( كذا فليكن في الله جل العزايم*وإلا فلا تجفو الجفون الصوارم ,كتائبك البحر الخضم
جيادها,إذا ما تهدت موجه المتلاطم ,تحيط بمنصور اللواء مظفر*له النصر والتأييد عبد وخادم),وعن عبقرية
الفاتح وعجيب صنعه الموجب للظفر عبر أحد المؤرخين البيزنطيين فقال : ( ما رأينا ولا سمعنا من قبل بمثل
هذا الشيء الخارق,محمد الفاتح يحول الأرض إلى بحار,وتعبر سفنه فوق قمم الجبال بدلاً من الأمواج ,لقد فاق
محمد الثاني بهذا العمل الإسكندر الأكبر) ,فالسلطان محمد الفاتح قاهر الروم وفاتح أعتى وأشد المدن حصانة
في التاريخ ,وقد عزز بذلك الفتح مكانة بلاد الإسلام حيث ضم إليها القسطنطينية التي تعد أهم المدن العالمية
فهي تربط آسيا بأوروبا وقد قيل عنها : (لو كانت الدنيا مملكة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون
عاصمة لها ) .
لا زلت يا الفاتح على مر ّ الأيام = تذكر بعز ٍ يا رفيع المقامي
يا قاهر الرومان في جند الإسلام =يا فاتح استانبول حزت الوسامي
حزت المفاخر في جهادك للأروام =يا فارس ٍ ما هبت بحر الظلامي
رفعت للإسلام رايات وأعلام = يا نور عز ّ الدين شرق ٍ وشامي
حققت فتح ٍينتظر طول الأعوام =وبشرى النبي صفوة جميع الأنامي