( 14 ) مدار الأفكار
ربيب التغريب
يقول الشاعر العربي :
إن الغراب رام مشية الحجل = فأصــابه ضرب من العــقال
فأضلً مشيته وأخطــأ مشيتها = فلذلك سـموه أبــا المــرقال
الدكتـورة زيـغريد هونكه مستشرقة ألمانية طائرة الشهرة، أحبت العرب، وصرفت وقتها كله
باذلة الجهد للدفاع عن قضاياهم والوقوف إلى جانبهم وهي زوجة الدكتور شولتزا المستشرق الألماني
الكبير الذي اشتهر بصداقته للعرب وتعمقه في دراسة آدابهم والاطلاع على آثارهم وتخليد مآثرهم، وقد
عاشت هونكه مع زوجها أكثر من عامين في مراكش، كما قامت بالكثير من الزيارات للبلدان العربية دارسة
فاحصة وتناولت في أطروحتها التي تقدمت بها لنيل درجة الدكتوراه من جامعة برلين «أثر الأدب العربي
في الآداب الأوروبية»، وفي عام 1955 صدر مؤلفها «الرجل والمرأة»، وهو كتاب تاريخي أكدت فيه،
كما فعلت في كتبها كلها التي تتالت، فضل العرب على الحضارة الغربية خاصة والحضارة الإنسانية عامة،
وكتبت في الموضوع نفسه وبالروح النابضة وبالصداقة الخالصة والمحبة العميقة عددا كبيرا من المقالات
في الصحف الأوروبية وأعدت أحاديث وتمثيليات للإذاعات العربية والألمانية على السواء، وتوجت أعمالها
بكتابها الفريد « شمس العرب تسطع على الغرب» الذي صدر عام 1962 وهو ثمرة سنين طويلة من
الدراسة الموضوعية العميقة، الذي تؤكد فيه سمو الثقافة العربية لكونها ثقافة إنسانية ذات فكر شمولي
معطاء، وكان ظهوره حدثا كبيرا في ألمانيا وأوروبا، وتقول المؤلفة في مقدمة كتابها: ( إن الناس عندنا
-وأقولها بمرارة - لا يعرفون إلا القليل عن جهود العرب الحضارية الخالدة ودورهم في نمو حضارة
الغرب، لذا صممت على كتابة هذا المؤلف وأردت أن أكرم العبقرية العربية، كما أردت إن أقدم للعرب
الشكر على فضلهم، الذي حرمهم سماعه، طويلا، تعصب ديني أعمى، أو جهل أحمق. وآمل إن يحتل
هذا الكتاب مكانة في العالم العربي أيضا، كسجل لماضي العرب العظيم وأثرهم المثمر في أوروبا والعالم
قاطبة) ,وعن أثر الحضارة العربية في حياة الأوروبيين ولغتهم تقول: ( إن في لغتنا كلمات عربـية
عديـدة، وإننا لندين - والتاريخ شاهد على ذلك - في كثير من أسباب الحياة الحاضرة للعرب، وكم
أخذنا عنهم من حاجات وأشياء زينت حياتنا بزخرفة محببة إلى النفوس، وألقت أضواء باهرة جميلة
على عالمنا الرتيب، الذي كان يوما من الأيام قاتما كالحا باهتا، وزركشته بالتوابل الطيبة النكهة،
وطيبته بالعبير العابق وأحيانا باللون الساحر وزادته صحة وجمالا وأناقة وروعة..).
وعن دور العلماء العرب تقول: (إن سيلا عرما من نتاج الفكر العربي ومواد الحقيقة والعلم قد نقحته
أيد عربية ونظمته وعرضته بشكل مثالي قد اكتسح أوروبا، وغمر أرضها الجافة فأشبعها كما يشبع
الماء الرمال الظمأى) , ويقول أغريبا فون نتسيهايم مشيدا بعظمة الطب العربي وبراعة العلماء العرب: (لقد
برع العرب في علم الشفاء إلى حد اعتقد المرء فيه إنهم مؤسسو هذا الفن، وكان بإمكانهم إن يدعوا ذلك
بسهولة لولا إنهم لم يكثروا من إيراد الأسماء اللاتينية واليونانية.. لذلك استقبلت كتب ابن سينا
والرازي وابن رشد بنفس الثقة التي استقبلت بها كتب أبقراط وجاليوس، ونالت حظوة قصوى عند
الناس إلى درجة انه إذا ما حاول امرؤ ممارسة الطب من دون الاستناد إليها اتهم، على أهون
سبيل، بالعمل على الإضرار بالمصلحة العامة) .وعن مكانة أدباء وشعراء العرب يقول جوته في كتابه
(الديوان الغربي – الشرقي) : ( انه يدين بالشكر لهم ومنهم أحمد بن عرب شاه وقيس الشهير بمجنون
ليلى وحاتم الطائي وأبي الطيب المتنبي الذي يعد أعظم شعراء العرب) ، وكذلك يقول: ( رائع هو الشرق
القائم خلف الحوض المتوسط، فالذي يحب حافظا ويعرفه يعلم وحده ما أنشده كالدرون), وجوته الذي
أعجب بالعرب وأحبهم وأشاد بهم يعد رابع عظماء الأدب الغربي إلى جانب مؤلف «الإلياذة» الشاعر
الإغريقي هوميروس، ومؤلف «الكوميديا الإلهية»، الايطالي دانتي، والشاعر البريطاني وليام شكسبير،
فالغرب بقي في تأخره ثقافيا واقتصاديا طوال الفترة التي عزل فيها نفسه عن الإسلام، ولم يبدأ ازدهاره
ونهضته إلا عند احتكاكه بالعرب سياسيا وعلميا وتجاريا حيث استيقظ الفكر الأوروبي من سباته الذي دام
قرونا على قدوم العلوم والآداب والفنون العربية ليصبح أكثر غنى وجمالا وأوفر صحة وسعادة، هكذا نجد
نظرة العيون المنصفة من علماء الغرب والشرق للثقافة العربية بينما يتشبث أدعياء الثقافة وإنصاف
المثقفين من أبناء جلدتنا بأقوال علماء الغرب وتكرارها بلا أي مناسبة للإيهام بسعة اطلاعهم، على الرغم
من الجهل الذي يستوطن عقولهم والذي تكشفه كتاباتهم فارغة المضمون، وان حاولت بعض أجهزة
الدعاية الغربية إعطاء من يسير في فلكها أكبر من حجمه الطبيعي ونعته بنعوت التقدم والتحرر.
يا ربيب الغرب وينـك والثقافـة=فارغ المضمون واضح من حروفه
تتبع منهاج ضدك يا حسافة = والعدو وشلون تاقف في صفوفه
لا يغرّك ما يروّج بالصحافة =راية الإسلام تبقى وامعروفه
من يحب الدين ما همه كلافة= واقف ٍ في عزذته يجرد سيوفه
عبد العزيز الفدغوش
الثلاثاء, 10 - يونيو - 2008