(240 ) مدار الأفكار
سنام الإسلام
يقول الشاعر العربي :
حتى متى علم الجهاد ممزقٌ =وكأنهُ بابٌ مخيفٌ مغلقُ
فالعز كل العز في إحيائهِ =فمتى نرى علم الجهاد سيخفقُ
إن الله سبحان وتعالى قد امتن على أمة الإسلام وميزها عن بقية الأمم بأن شرع لها الجهاد وجعل ما يحصل
بسببه من الأجر والثواب الشيء العظيم,فهي فريضة جعلت للمسلمين الأوائل العزة والتمكين في الأرض,ومن
ثم السيادة وقيادة سائر الأمم,قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ,
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف:10-
11) ,وقال سبحانه وتعالى : (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ
اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)(النساء:95) ,وقال النبي وصلى الله عليه وسلم: ( جاهدوا المشركين
بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) ,وعن أبي ذر رضي الله عنه قال:قلت يا رسول الله أي العمل أفضل؟قال: (الإيمانُ
باللّه والجِهادُ في سَبيلِ اللّه ) ,وقال أيضا: (من مات ولم يغز, ولم يحدث نفسه به مات على شعبة من نفاق ) ,
وفي تعريف الجهاد يقول ابن منظور في لسان العرب: (وجاهد العدو مجاهدة وجهادًا قاتله وجاهد في سبيل
الله ,فهو محاربة الأعداء والمبالغة وإستفراغ الوسع والطاقة من قول أو فعل ,أما شرعا فيعني قتال الكفار
لإعلاء كلمة الله, وفي الحديث الشريف: ( لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ) ,وقد اجتهد علماء الإسلام في
تفسير معنى الجهاد فقال ابن حجر هو: ( بذل الجهد في قتال الكفار ) ,وقال القسطلاني: ( قتال الكفار لنصرة
الإسلام وإعلاء كلمة الله ) ,وقال الكاساني: ( وفي عرف الشرع يستعمل في بذل الوسع والطاقة بالقتل في
سبيل الله عز وجل بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك أو المبالغة في ذلك ) ,وقال علاء الدين الحنفي صاحب
الدر المختار: ( الدعاء إلى الدين الحق وقتال من لم يقبله ) ,فالجهاد هو بذل الوسع في سبيل مرضاة الله
تعالى ويشمل قتال الكفار والمشركين والمنافقين والبغاة والمحاربين الآخرين ,كقطاع الطرق ودفع المعتدين
سواء كان ذلك في ساحات القتال أو بالحجج واللسان أو الأموال أو بالدعوة والعلم,ويشمل جهاد المعتدين على
العقيدة والشريعة والوطن والعرض والمال, والمجاهد الحق هو الذي ينذر حياته في سبيل الله ويؤثر مرضاته
عز وجل على السلامة والراحة وهو يدعو الله أن يبلغه منازل الشهداء ,ومثل هذا يستجيب الله تعالى له ويبلغه
منازل الشهداء حتى وإن توفي على فراشه كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال : (من
سألَ اللّهَ الشّهادةَ بِصِدق بَلّغَهُ منازلَ الشُهداءِ وإن ماتَ على فِراشِهِ ) ,وأفضل الأعمال ساعة حضور الأعداء
هو الجهاد,وتعد بعض الأعمال في حال الإخلاص وصدق النية من الجهاد مثل : (عمل المرأة في بيتها,وكسب
الرجل من الحلال ابتغاء التكفف عن سؤال الناس,وإتقان العامل واجبه, ومجاهدة النفس وردعها عن الوقوع
في الآثام,أما القتال حمية أو عصبية أو ابتغاء كسب دنيوي فلا يعد جهادا في سبيل الله ,والفيصل في ذلك
حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( مَن قاتل لتكونَ كَلِمَةُ اللّهِ هي العُليا فهُو في سَبيلِ اللّه ) ,
والجهاد يصنف على أربع مراتب كما ذكر ابن القيم رحمه الله وهي : ( جهاد النفس ,جهاد الشيطان , جهاد
الكفار والمنافقين,وجهاد أرباب الظلم والمنكرات والبدع ) ,والمؤمن لا يتمنى دخول المعارك والحروب بدون
هدف واضح بل هو يكره سفك الدماء ,لكن إذا قدّر الله تعالى ذلك صبر وثبت كما قال صلى الله عليه وسلم:
( لا تَتَمَنّوا لقاء العَدو فإذا لَقيتموهُم فاصبِروا,واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) ,وكما يقول الشاعر:
(لسنا دعاة الموت لكنّا إن ابتُلينا*نرتقي لنخوض بحر الموت سعيا للحياة) ,ويقول شاعر آخر: (إن الجهاد هو
الطريق لعزّنا *وبتركه ذلٌّ وعيش صغار) , ويقول غيره: ( دعا الوطن الذبيح إلى الجهاد *فخف لفرط
فرحته فؤادي ,وسابق النسيم لا افتخار*أليس علي أن أفدى بلادي ؟ ) ,فالجهاد هو العزة وذروة السنام,وسبيل
الرفعة والكرامة لأمة الإسلام, وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في مختصر زاد المعاد في
الذروة العليا منه,فاستولى على أنواعه كلها,فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجنان والدعوة والبيان,والسيف
والسنان, فكانت ساعاته موقوفة على الجهاد,ولهذا كان أعظم العالمين عند الله قدراً,وكذلك جبل جيل الصحابة
رضوان الله عليهم على حب الجهاد في سبيل الله الذي فيه خير الدنيا والآخرة, فقد قال أبو بكر الصديق
رضي الله عنه في أول خطبة له بعد توليه الخلافة: (لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل) .
يا طالب العليا على دين الإسلام = ترى الجهاد بحق رأس السنامي
خير الورى جاهد على مرّ الأيام =وتلاه صحبه هم هداة الأنامي
ما ينثني دون الهدف كل مقدام = والله يحقق بالجهاد السلامي