قد تبادرني أنت أيضا بسؤال: وما المطلوب مني كي أقدمه للحياة؟
وأجيبك بأن المطلوب منك كثير جداً يا صديقي، وسهل جداً أيضا!.
كثير لأنك مطالب بعمران هذه الأرض، وتركها أجمل مما كانت عليه حال قدومك!، يقول ربنا جلّ وعلى
"هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" [هود: 61].
فأنت مُكلف بعمران هذه الأرض، وإضفاء جوانب جميلة فيها.. إعمارها ليس فقط بتشييد البيوت والمبان العالية الشاهقة التي تخطف الألباب والأبصار.
وإنما إعمارها أيضا بإنشاء قلاع من الخير، وإرواء نبتة الفضيلة، والبحث عن المعادن الفريدة التي اندثرت وإظهارها للناس كالصدق والوفاء والإيثار والاستعلاء على مطامع الدنيا وزخرفها.
تستطيع أن تقدم للحياة بيتاً نظيفاً راقياً ـ مهما كان متواضعاً ـ وأبناء يتمتعون بالخلق الراقي المؤدب، تستطيع أن تقدم سلوكاً منضبطاً واعياً، وروحاً سمحة صافية.. وبهذا تكون قد قدمت الكثير.
نعم تكون قدمت للحياة صفحة مشرقة مليئة بالجمال، ومزقت مكانها صفحة أخرى مليئة بالكذب والغش والشر.
وهذا ليس بالشيء الصعب على روعته وجماله!. وتعال معي لننظر إلى عُمق المشهد القادم.
فمما يروى أن الكاتب الروسي (أنطوان تشيكوف) في أخريات حياته، كان قد اتخذ لنفسه بيتاً بسيطاً، وأمضى بعض وقته في تجميله وتنميقه، وإضفاء لمسات فنية جميلة على كل ركن وزاوية فيه.
وزاره ذات يوم أحد النقاد، فأبدى إعجابه وانبهاره بهذا المنزل الرائع الفريد!، فتعجب الكاتب العجوز لتعجب الناقد، وتأمل انبهاره بالبيت الصغير، ثم قال له وابتسامة الحكمة ترتسم على شفتيه:
(لو أن كل إنسان اهتم بتجميل الرقعة الصغيرة التي يحتلها من العالم.. لغدا كوكبنا هذا فتنة للأنظار! ).
ما أروع عمق هذه المقالة..
لقد نظرت إلى نفسي وكثيرين ممن حولي فألفيت العناوين الكبيرة تغرينا وتشتت من وعينا وتركيزنا، ووجدت أن الأفضل للمرء منا أن يقوم بمهامه التي وكله الله بها، والتركيز فيما يجب عليه فعله، وألا يدع الأشياء التي لا يد له عليها تسيطر على تفكيره أكثر من الأشياء التي له عليها سيطرة ونفوذ
لو أن كل واحد منا تعهد لنفسه أن يُجمل وينمق الجزء الذي يحتله من العالم، فمسكنه جنة، وأسرته مثالاً للأخلاق، وسلوكه ينضح بالجميل من الأفعال، صدقني سنكون قدمنا للبشرية الكثير.. والكثير، وتركناها أجمل مما كانت عليه حال قدومنا.
ممآآرآآآق ليـــ