بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين
اجتاح الغناء بيوت المسلمين وتحول الى آفة العصر فدخل قلوب وعقول الكثيرين وسيطر على حياتهم بحيث ان المسلم تناسى مع الوقت ان الغناء من المحرمات فلم يعد الواحد منهم يقود سيارته الا وصوت الغناء يتعالى من السيارة كما ان رنات الهواتف صارت موضة قديمة و استبدلت بالاغاني وليس هذا فحسب بل وانك اذا اردت الاتصال بأحدهم تجد انه قد وضع لك اغنية لتسمعها وتتسلى ريثما يلتقط الهاتف ويجيبك وكأن كل هذه الفضائيات لم تعد كافية لنشر الفسق, ولعل الفجور والعصيان يكون اشمل واسرع انتشارا اذا قام كل شخص بمساهمته الخاصة ان بأغنية في هاتفه او حتى في محله التجاري بحجة انه يشدّ الزبائن .
والضاحك االباكي عندما اسمع احد المغنين وهو يشرح مثلا عن حفلة ناجحة او اغنية جديدة فيقول الحمدلله الذي وفقني, وانا اشكر الله اولا ان اغنيتي نجحت وغيرها من العبارات التي تنسب نجاحه الى التوفيق من الله وهذا الجاهل الغافل الذي لم يقرأ يوما الآية التي تقول (انما نملي لهم ليزدادوا اثما) لا يعتبر نفسه ناجحا في الحياة فقط بل وانه يعمل بما يرضى الله فهو يحمل رسالة انسانية ويعين الناس بالترويح عنهم ويعتقد ان هذه "المهنة" حسب ما يسميها البعض لها اصول وشروط معينة فهذا المغني ينتقد صوت ذاك وذاك يعيّره بأسلوبه ولون غنائه.الى ما هنالك من مصائب ومشاكل يجرها عالم الفن الى المجتمع كما ويجذب اليه ثلة من عبّاد الدنيا الذين ليس لديهم همّ الا نشر فضائح الفنانين ومعرفة اخبارهم وتتبعها في المجلات والفضائيات لكي يكون لديهم موضوع ساخن للحوار مع الاصدقاء. كل ذلك في كفة والاعراس في كفة حيث الهمّ الاكبر للعريس والعروس اختيار الصالة وانتقاء الاغاني, واحيانا اذا كان العريس ميسورا فالافضل والاعظم شأنا ربما في نظر العروس واهلها واصحابها ان يحضر المغني الفلاني بذات شخصه!!!!!!!! وهكذا يكون هدر المال على ما يسخط الخالق ويرضي المخلوق ,ولارضاء المخلوق لا بد من قيام ام العروس لتهز بجسدها امام الاجانب ضاربة بعرض الحائط عبادتها وايمانها واحيانا حجتها ......طبعا فهذه ليلة من العمر كما يقولون واذا لم ارقص في عرس ابنتي وافرح لها فمتى سأفرح !!!! وان اصبح الانسان لا يفرح الا بمعصية الله فهناك الطامة الكبرى حيث ان السائد في ايامنا اتباع تيار الغناء والموسيقى ومن يتخلف او يعارض فهو معقد ومحط سخرية وعجب .ولا عجب في قلة من يتبعون الحق وكثرة انصار الباطل فحسب ما ورد في القرآن الكريم فأصحاب الجنة هم ثلة من الاولين وقليل من الاخرين اما اصحاب النار فهم حيث يقال لها هل امتلأت وتقول هل من مزيد .هذا كلام لا يسهل علينا سماعه ولكن الوقائع تذكرنا به لذلك من اراد الجنة فليعمل لها: "ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام" فالشريعة شريعة الله عزّوجلّ والاوامر اوامره في الحلال والحرام ما هي بيدي ولا بيد الفقهاء والمفسرين الذين اجمعوا على ان الغناء من المحرمات فمن هو افقه وأبين واقوى برهانا من كتاب الله فليبرز علمه الى العامة وليناقش في عدم حرمة الغناء.
فالانسان هو روح وجسد وكما اوصانا الله بالاهتمام بجسدنا والمحافظة عليه وستره وكذلك نهانا عما يضرنا من مأكل اومشرب او غيره حيث أوصانا بأكل الطيبات للحفاظ على جسم سليم ونهانا عن المحرمات والخبائث التي تضر بالصحة حتى ولو على المدى البعيد او بشكل غير مباشر و كذلك الامر بالنسبة للروح بل والروح اهم لانها باقية اما الجسد ففان ومهما تجملنا وتزينا واهتممنا بالظاهر والمظاهر فان ذلك زائل لا محال ولا منفعة منه لاحقا اما الروح فهي من يعذب في القبر او يتنعم لذلك حري بنا ايضا تنميتها وتزكيتها بما امرنا به الله وترويضها بالابتعاد عما نهى عنه سواء ادركنا مضاره في الوقت الحاضر ام بعد مدة فالله لم يعط الا من اجل مصلحة وكذلك لم يمنع الا لمصلحة وهوالعليم بحالنا الخبير بمصلحتنا ولا يجوز لنا مع جهلنا ان نعارض ونقول ذلك لا يؤثر علي او على عبادتي .ان كان الخالق يقول انه يؤثر فمن انت لتقول لا اتأثر ؟؟!!!!!!
والسؤال الذي يطرح نفسه هل ان من يستمع الى الغناء او يشجع عليها يفعل ذلك لانه لا يعترف بحرمتها ام انه يعترف بحرمتها ولا يعترف بتأثيرها السلبي فيحتج بأنها لا ولن تضره او تؤثر على عبادته فكما قلت سابقا لقد اجمع الفقهاء والمفسرون على حرمة الغناء الذي جاء في القرآن الكريم تحت عنوان اللغو او قول الزور والمعنى واحد وهو كل كلام لا ينفع وليس به فائدة انما هو مجرد صف كلمات من دون معنى او مغزى واذا كان القرآن قد بيّن حرمة الغناء فهل يبقى من شك ان الغناء حرام ؟اما ان كان يؤثرعلى العبادة ام لا فان كان الذي خلقني وسواني وخلق جميع هذه العباد قد حرّم الغناء فكيف ادعي اني بمعصيتي لهذا الامر واستماعي للغناء لااؤثر على عبادتي ؟ وما هي العبادة ؟اوليست طاعة الله في الحلال والحرام والعمل بما امر والابتعاد عما نهى؟ فكيف نقف لنصلي قربة الى الله ثم نستمع الى الغناء ونحن نعلم بنهيه...... اولا يبعدنا ذلك عن خالقنا ويكوّن علاقة مليئة بالشوائب .
ومن منا لا يحب ان يكون قريبا من الله يلتجأ اليه في جزعه وخوفه ويستعين به في محنته وشدته ويدعوه في مرضه .لا اقول ان من يستمع للغناء لا يصلي ولا يدعو الله او ان الله لا يجيبه ,على العكس ان الله كريم مجيب ولكن ليست مكانة من تورع عن المحارم كمكانة من عصى و اصر على الذنب , وليست النفس الزكية الطاهرة كالنفس المليئة بالمعاصي والاصرار
ومن منا لا يود ان يكون محبوبا من القوي الجبار فيحس بنصرة الله له ويسعى لارضائه ويتقرب منه... وذلك يتحقق بالابتعاد عما نهانا عنه والقيام بما امرنا به فلا يحصل التقارب اذا كنا في كل مرة نتقرب منه بصلاة او صوم ثم نبعّد المسافة مرة اخرى بالغناء والمعاصي. وهل الغناء ينفع غدا في ذلك المكان المظلم الموحش الضيق الذي لا بد من النزول اليه عندما نيقن انه لا ناصر لنا ولا مؤنس الا الله الذي كنا نعصيه ونتكبر على اوامره ونستهزىء بها ؟ فما هو موقفنا الآن وبأي لسان نحتج ونبين حجتنا ؟ فهل ان ذاك اللسان الذي تعوّد في الدنيا على حفظ الاغاني وترديدها سيتحول فجأة في القبر الى لسان مؤمن يلهج بذكر الله؟ وما الذي سيسبب له فجأة هذا التحول اهو الخوف من الظلمة ام من الوحشة ام من ملائكة القبر ؟ حيث ان هذا اللسان لطالما استعان بالغناء للترويح عن نفسه ونسيان آلامه وتسلية نفسه ووحدته, واعتقد اننا نكون بأمسّ الحاجة الى الانس ونسيان الآم وتمضية الوقت وتبديد الوحدة ونحن في القبر.فاي لسان يا ترى آنذاك سيكون اسرع في ذكر الله و الاستعانة به ؟السان اعتاد الذكر وحفظ القرآن والاحاديث ام لسان ردد الاغاني وحفظها ؟ فليستعين عندئذ بالغناء من استعان به في الدنيا ربما يقتنع اخيرا كيف يؤثر الغناء سلبا على حياته سواء في الدنيا ام في الاخرة!!!!! ويا ترى ما الذي سينفع في الليلة الاولى في القبر صلاة الوحشة تهدى للميت ام ثواب حفلة صاخبة تهدى لروحه التي لطالما احبت الغناء وابتهجت لسماعه؟!!نعم فهو كان يعتقد ان الاسلام ان كان يمنعنا من الغناء فهو دين حزن ودين لا يريد لنا الا ان نبقى مهمومين محزونين والغناء سبب من اسباب الانس وادخال السرور الى القلب ....ونحن ندعو دائما الى ادخال السرور الى اهل القبور ..... لذلك فهل عندما نزور قبره علينا ان نأخذ معنا قرآنا لنقرأ له بعض الآيات التي تؤنسه ام نأخذ مذياع مع اغاني لمطربه المحبوب فيتذكر ايام حياته وانبساطه فيطمئن قلبه ؟!!!!!!! ويدخل اليه السرور؟ اذ حسب قولهم الغناء لا يؤثر سلبا وليس حراما فما المانع ان نبهج الميت حتى بعد وفاته ؟
وهنا اجد انه لا بدّ من ذكر حالة المؤمن التي يعيشها في مناجاة ربه وفي الرضى عن نفسه بحرمان نفسه من ملذات الدنيا ومتاعها قربة الى الله فسعادة المؤمن الحقيقية تكمن بالوقوف بين يدي خالقه وهو عالم انه اليوم تخلف عن الخروج مع اصدقائه لانهم يقصدون حفلة ما او يعملون بما نهى الله عنه , فاذا نبذه رفاقه لحسن خلقه او لتمسكه بأحكام الله فكمال نفسه وترفعه عن ما ينجس هذه النفس الطاهرة يمنعه من اللجوء الى الغناء فلا يذهب لينتقي اغنية حزينة تشرح حاله وتواسي وحدته بل يشعر بالشفقة على اهل الدنيا و يتوجه الى ربه يقوده ايمانه وثقته بالخالق و تغمره السعادة انه تغلب على نفسه وهواها هذه المرة ايضا ولم ينقاد خلف مغريات الدنيا. و قمة سعادة المؤمن في قيامه في ليل بارد من فراشه الدافىء ليصلي ويتلو القرآن ويناجي ربه ويستغفره او ليصوم في يوم طويل وحار ويمنع نفسه من اكلة يحبها قربة الى الله ونشوة السعادة لدى المؤمن ان تنهمر دموعه على خديه ليلا والكل نيام وهو واقف يستغفر ربه ويعترف بتقصيره في العبادة .ويتجلى الايمان الحقيقي عندما يرى الشخص عظيم ذنبه عظيما فلا يستصغر ذنب ابدا كما وانه لا يستثني فيقول حسنا هذه الليلة اذهب الى العرس وارقص ومن ثم اتوب فالمؤمن يبقى حاضرا لأن يقبض في كل لحظة فينظر الى كل عمل قبل القيام به ان كان يرضي الله وهل موته اثناء قيامه بهذا العمل يعد من حسن الخاتمة ام سوء الخاتمة فليس دين الاسلام هو دين الحزن فالحزين في الاسلام حزين الاخرة وشقيها اما في الدنيا فكل مؤمن يعلم انه مهما ضاقت عليه الدنيا فلديه رب قوي لطيف وملجأ قريب يعود اليه وهو يعلم ان كل ما حرم منه في الدنيا انما من اجل مصلحة له يعلمها الخبير العليم وانه سيعوض عليه في الاخرة بما يرضى كقوله تعالى "ولسوف يعطيك ربك فترضى" وهو يعلم انه في هذه الدنيا زائر وهو يعيشحقا اجواء هذه الحالة .اذ ان هذه العبارة معروفة ومتناقلة ولكن كم من الناس يعيشها حقا ؟ ولا نعمة يطلبها المؤمن اغلى على قلبه من رضوان الله تعالى وذلك يغنيه عن الدنيا وما فيها , فلنعمل بما ينفعنا في الدنيا والاخرة عسى ان نحظى برضى الله تعالى ونكون من الفائزين و لنحذر من ان نكون من تلك الفئة التي تشرح حالها سورة الملك في الآية الكريمة ,اذا القي اهل النار فيها: تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ... قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ .... وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ.... فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ..