عــم حســــين لوحة ٌ خشبية ٌ متآكلة ٌ تحملُ كلمتين بالكاد تسطيعُ قرأتـَهما " مكوجي السعادة "
يجلسُ أسفلَ هذه اللوحةِ شيخ ٌ كبيرٌ ، التجاعيدُ التي في وجهه تدلُ على أنَّه شاهدٌ على
عصورٍ كثيرةٍ ، يضعُ قدمَهُ اليمنى على اليسرى ويَتـَكِئُ بكوعهِ الأيمن على فخده
الأيمن ويستند بذ َقـَنـِه على كفيه الأيمن ، ويُمسِكُ في يده اليسرى سيجارة يَعْتـَصِرُهَا
بشفتيه كما يعتصرُ الطفلُ الحلوى
- صباح الخير يا عم حسين
- صباح الفل يا محمود يا بني ، إيه يا محمود إنت مفتحتش دكانك إمبارح ليه كفا الله الشر
- كنت تعبان شوية يا عم حسين
- لا ، ألف سلامة عليك يا بني
يفتح محمودٌ دكانـَه المجاورَ لدكانٍ العم حسين ، وعلى الجانبِ الآخرَ من الشارع ِ
يوجد منفذ ٌ ِلبَيْع الخبز ، يَتكالبُ الناسُ عليه كما تتكالبُ إناثُ الأسودِ على فريسَتِهَا
ومع هذا التكالبِ توجدُ بعضُ الهتافات من قبيل
- يلا يا أستاذ خلصني أنا ورايا شغل
- والنبي يا أستاذ إديني بجنيه عيش عايزه أودي العيال المدرسة
- إيه يا عم إنت بتزق كده ليه ما تاخد دورك في الطابور
وكثير من مثل ذلك ، فلا يخلو يومٌ من مشا جرة ٍ بين فلان وعلان
يجلس محمود بجوار العم حسين
- شايف يا محمود يا بني الناس بقيت وحشة قد إيه ، دول هيموتو بعض عشان رغيفين عيش ، إييييه فين أيام زمان إنت عارف ساعتها كنت تحس إن الناس كلها بيت واحد وأسرة واحدة الله يرحم أيام زمان
- ليه الزعل ده كله بس يا عم حسين ، ما الناس لسه برده كويسة وزي الفل
- كويسة مين يابني ، ده انا من يومين ركبت الأتوبيس إلـِّـي ما حد قام وقالي اتفضل يا حاج ، ده إحنا زمان لما كنا ننـ.......
يقطعُ حديثَ العمِّ حسين صوت ٌ عال ٍ آت ٍ من منفذ بيع الخبز
- تصدق إن إنت راجل ابن كلب صحيح
- أنا ابن كلب يا ابن ستين كلب يا واطي
- إنت بتشتمني أنا يا ابن ال (...) وحياة أمك لتشوف
فأمسكـَه بيدهِ اليسرى من ياقةِ قميصه ولكمه في وجهه لكمة شديدة ، ثم أمسكه من ياقة قميصه بكلتا يديه وضربه بركبته في بطنه عدة َ ضربات ٍ متتالية ٍ قبل أن ينتزعه الناس من بين يديه وقد احمر وجهـُه وسال دم ٌ خفيفٌ من أنفه ، وبدا عليه إعياء ٌ شديد ٌ من أثر الضرباتِ التي تلقاها في بطنه
أخرج هاتِفـَه المحمول وتكلم فيه قليلا ثم توجه إلى خصمه قائلا :
- وحياة أمك لربيك
وما هي إلا دقائق قليلة حتى ظهر من بعيد بضعة رجال يحملون أشياء َ تلمعُ تحتَ أشعَةِ الشمس ِ
- الله الله الله ، دي الحكاية كبرت ياعم حسين دول جايين بسكاكين ، يا رب استر
هـمَّ محمودٌ بالذهابِ إلى الجانبِ الآخرَ من الطريقٍ فاستوقفه العم حسين
- رايح فين يابني ، ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه
- أمّال عايزني أتفرج على الناس وهمّا بيموتو بعض
تدخل محمود لفض ِ الشجار بين الطرفين ِ، وحاولَ هو وغيرُه أن يمنعَ هذا عنْ ضربِ هذا ، حتى لمحَ أحدَهم يلتفُ من حول ِ المتشاجرين متجهًا إلى المتشاجر الأول وبيديه سكينٌ والغيظ ُ يَتـَطايَرُ من عينيه ، فوقفَ محمودٌ له وحاولَ أن يمنـَعَهُ
- بقولك إيه ابعد عني الساعة دي
- يا عم خلاص استهدى بالله ، على إيه ده كله
- هتبعد عني ولا أعورك
- يا عم صلي على النبي كده وروق
فأمسك الرجل ُ محمودًا بيديه محاولا أن يبعدَه عن طريقه
إلا أن محمودًا قد ثبتَ مكانـَه ولم يتحركْ ، فاستل الرجل سكينه وضربَ به محمودًا
في وجهه
يتمدد محمودٌ فاقدًا الوعيَ على سرير ٍ أبيضَ ، وقد غطت لفافات القطن والشاش ِ جبينـَه وعينـَه اليمنى
- للأسف يا حاج ابنك مش هيشوف بعينه اليمين تاني
- يعني إيه يا دكتور أنا ممكن أوديه احسن مستشفى في الدنيا
- للأسف يا حاج ما بقاش ينفع
نظر الأب إلى ابنه محمود نظرة اشفاق ٍ حملت بين طياتها لومًا شديدًا ، وقال في نفسه :
كان مالنا إحنا بس ومال إلـِّـي بيتخانقوا ، ما يموتوا ولا يولعوا بجاز
لوحة خشبية متآكلة تحمل كلمتين بالكاد تسطيع قرأتهما " مكوجي السعادة "
يجلس أسفل هذه اللوحة شيخ ٌ كبيرٌ ، التجاعيد التي في وجهه تدلُ على أنه شاهدٌ على
عصور كثيرة ، يضع قدمه اليمنى على اليسرى ويمسك بين يديه جريدة يتصفح ما
فيها من أخبار
" رئيس الوزراء يعد بخطة جديدة لتحقيق ..... "
"تدهور الوضع الأمني في غزة واشتباكات ....."
" مصرعُ رجل ٍ في أسيوط حاولَ فضَ منازعةٍ بين متخاصِمَيْن ِ" uJJl psJJJJdk
uJJl psJJJJdk uJJl psJJJJdk جميع الحقوق محفوظة وحتى لاتتعرض
للمسائلة القانونية بسبب مخالفة قانون حماية الملكية الفكرية يجب ذكر :
- المصدر : شبكة الشموخ الأدبية
- الكاتب :
alshmo5 - القسم :
مجلة الشموخ الثقافية - رابط الموضوع الأصلي : عــم حســــين |