(231 ) مدار الأفكار
فتن الزمن
يقول الشاعر العربي:
فلقد أتتنا فتنة شبهاتها = تدع الحليم بموقف الحيران
فتن تموج بشرها وفسادها= كالبحر حين يموج بالفيضان
إن الفتن جمع فتنة وتعني كما عرّفها علماء اللغة الابتلاء أو الاختبار,يقول الأزهري: (جماع معنى الفتنة
في كلام العرب: الابتلاء والامتحان) ,ويقول الراغب: (أصل الفتن إدخال الذهب النار لتظهر جودته من ردائته)
وقد تكررت كلمة الفتنة في القرآن الكريم في قرابة سبعين موضعاً وكلها تدور حول المعاني التي ذكرها ابن
منظور في لسان العرب ومنها : (الاختبار،المحنة، المال، الأولاد، الكف،اختلاف الناس بالآراء ,الإضلال
,والإحراق بالنار) ,قال تعالى : ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ )(الذاريات : 13 ),وقال عز وجل : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ
وَالْخَيْرِ فِتْنَةً )( الأنبياء : 35 ) , وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) (التغابن : 15 ),وقال أيضا:
( وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) ( طه : 40 ) ,فالفتنة تكون في الأمور والشدائد كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب والمعصية
وغيرها من المكروهات التي يجريها الله على عباده على وجه الحكمة ابتلاءً وامتحاناً,وقد تكون من صنع
الإنسان وتعد حينها من الأفعال المذمومة قال تعالى: ( والفتنة أشد من القتل)( البقرة :191), وقال النبي صلى
الله عليه وسلم: « ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من
الساعي، من تشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به » ,و قال صلى الله عليه وسلم: «تتقارب
الفتن، ولا ينجو منها إلا من كرهها، ولم يأخذ المال، فإن أخذ المال فهو شريكهم في الدماء وغيرها», وقال
أيضا:« ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، إلا من أحياه الله بالعلم» ,وقال النبي صلى الله
عليه وسلم: «بادروا بالأعمال، ستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي
مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع الرجل دينه بعرض من الدنيا»,وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنه تصيب أمتي في آخر الزمان من سلطانهم شدائد ، لا ينجو منه إلا رجل
عرف دين الله ، فجاهد عليه بلسانه ويده وقلبه ، فذلك الذي سبقت له السوابق, ورجل عرف دين الله ، فصدق
به ، ورجل عرف دين الله فسكت عليه ، فإن رأى من يعمل الخير أحبه عليه ، وإن رأى من يعمل بباطل
أبغضه عليه ، فذلك ينجو على إبطانه كله ) , وفي اتِّقاء الفتن تكمن السعادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ) , قالها عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات, وثبت في صحيح مسلم من حديث زيد
بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) ,
وتشتبه الفتن في أول بروزها وبداية ظهورها على كثير من الناس لذا يُقال عنها: ِفتنٌ عمياء، وفِتنٌ صماء ،
لكثرة اشتباهها وعدم اتضاحِ أمرِها للناس , ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والفتنةُ إذا وقعت عجِز
العقلاء فيها عن دفعِ السفهاء), وللفتن عواقب وخيمة منها: الجرأة على القتل وسفك الدماء ,واختلالُ الأمن
وكثرةُ القلاقل ونهب الأموال وتدمير الممتلكات,وفي منظومة الجواهر الحسان وعصمة الإخوان من فتن آخر
الزمان يقول صالح بن أحمد الزهراني: (فتن تموج بشرها وفسادها* كالبحر حين يموج بالفيضان,
بدأت بكل مدينة بفسادها*وتطايرت في سائر الأوطان,بل قد ترقى شرها وفسادها*في الجو سابحة مع
الطيران,وأساسها فتن ثلاث حبها*يعمي عن الإسلام والإيمان,شك وشبهات وشهوات بها*قد شارك الإنسان
للحيوان) ,ويؤكد أهل العلم في قديمِ الزمانِ وحديثِه كما يقول الدكتور عبد الرزاق البدر: ( على أهميةِ
البصيرةِ في مآلات الفتنِ وعواقبَها؛ بمعنى أن المرءَ قبلَ أن يُقدِم ليتأمل كثيراً في العواقب ولا يكونَ نظرُه آنِيّاً
وقتيّا، بل يتأمّل في عواقبِ الأمور وإلى أي شيءٍ تؤول بمثل هذهِ الأعمال،فبالبصيرةِ والأناةِ والسكينةِ
والطمأنينةِ وحسنِ الالتجاءِ إلى الله واستشارة أهل العلمِ الراسخين والأئمةِ المحققين بمثلِ ذلكَ تتحققُ للناس
العواقبُ الطيبةُ والمآلاتُ الحميدة),وعلى جبال التقوى ولزوم كتاب الله وسنة نبيه وبتوجيه ولاة الأمر فقد
تحطمت أمواج الفتن وخاب وخسر كل من روج لها في الخليج فالتشويش وصنع الأزمات والاصطياد في
الماء العكر لن يهزّ رسوخ قواعدنا الدينية والوطنية, نسألِ اللهَ أن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين وأن يقيَنا
من شرور الفتنِ ما ظهر منها وما بطن ,وأن يضفي على خليج الخير والإحسان نعيم الأمن والأمان والرخاء والإيمان .
يا مثوّر الفتنة حسب فكر الأشرار = خبت وخسرت وضعت يا تايه الشور
يا متبع توجيه عمسين الأبصار= مالك على تهييج الأحرار مقدور
دون الخليج أبناه في الموسم الحار = شيب وشباب ٍ بالمهمات له سور
حب الوطن مغروس بأرواح الأخيار= ولا فيه دون الأرض والعرض مذخور
حنّا فداء صرح الوفاء ست الأقطار =منظومة ٍ للخير نور ٍ على نور