( 11) مدار الافكار
أمير التحرير
يقول الشاعر العربي :
ألا كل مولود فللموت يولد =ولستُ أرى حياً لشيء يُخلّدُ
تجرّد من الدنيا فإنك إنما = سقطت إلى الدنيا وأنت مُجرّدُ
إن الله تعالى قد جعل الموت مصيرا لكل حي سواه، فالموت خطب يدهم
الأغنياء والفقراء، ويدرك حقيقته الأسوياء والحكماء، ويعمل لساعته العقلاء والأتقياء، ومن رحمة
الله بنا إنه خلق الموت وجعله النهاية الطبيعية والحتمية لكل شيء، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى «
كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون» (القصص ـ 88)، ويقول عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه: «كنا نظن إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يموت أبدا، ويبقى في أمته ولا تنقطع
بركات السماء حتى نزلت هذه الآية «كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام»
(الرحمن ـ 25 و26)، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم، وبكينا لبكائه، ثم قال: يا أصحابي لابد لي
ولكم من الموت، قلنا معاذ الله، جعلنا الله فداك، ثم نزل قوله تعالى: « كل نفس ذائقة الموت» (آل
عمران ـ 185)، فقلنا يا رسول الله إن كان لا بد لك من الموت فلعلك تبقى في آخر عمر الدنيا، فنزل
قول الحق سبحانه وتعالى « إنك ميت وإنهم ميتون» (الزمر ـ 30)، فأيقنا أنه يموت قبلنا لما قدمه
الله بالذكر». فالموت لم ينج منه غني ولا فقير لاقلاله، وقل أن يكون أحد إلا وذاق طعم هذه الكأس
المرة من أنبياء وصحابة وأتباع وأشياع، وعلماء وزهّاد وقرّاء وعبّاد، فلابد من الموت وإن طال
العمر، وفي الأسبوع الماضي غادر الدنيا الفانية صاحب السمو الامير الوالد الشيخ سعد العبد الله
السالم الصباح، رحمه الله وطيب ثراه، الذي فقدت الكويت بوفاته أحد أهم رجال مرحلتها الحديثة،
والمهندس الفعلي لعملية التحرير، نظرا إلى الدور الذي لعبه على كل الأصعدة، الداخلي، والإقليمي،
والعالمي، حيث تولى بنفسه مسؤولية المشرف الأول على تحرير البلاد، الذي بدأ مع ترؤسه وفد
الكويت إلى قمة جدة، التي سبقت الغزو بأيام، ودخوله في مفاوضات مع نائب رئيس النظام العراقي
وقتها «عزة الدوري»، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل فهد بن عبد العزيز آل سعود
يرحمه الله، والتعهدات التي قدمها الجانب العراقي، والتي انتهت باحتلال العراق للكويت فجر الثاني من
اغسطس 1990 م.
وفجر يوم الغزو توجه سمو الشيخ سعد إلى رئاسة الأركان، ووقف بنفسه على المعارك الأولية في
مقر القيادة، ثم أمر باخراج سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح، رحمه الله، وتوجه معه إلى الحدود
السعودية، حيث أمّن الأمير، ثم توجه للكويتيين عبر الإذاعة مطمئنا إياهم على سلامة أميرهم، وأستمر
بإشرافه المباشر على حال الكويتيين وأعاشتهم داخل الكويت، وخارجها، وكذلك دعم الصامدين، ومدّ
رجال المقاومة باحتياجاتهم، إضافة إلى حشد الدعم والتأييد الدولي للكويت في الدول التي زارها أثناء
فترة الغزو، كما عُين حاكما عرفيا للبلاد بعد تحريرها، وتولى عملية ضبط الأمن، وقاد جهود إعادة
الإعمار، حتى أُعلن إنتهاء فترة الحكم العرفي في 26 يونيو 1991م.
وما بين عام 1930 إلى 13 مايو 2008 يسجل التاريخ لسمو الشيخ سعد العبدالله الصباح
وبأحرف من نور مسيرة مشرقة، وحافلة بالعطاء والتضحية فهو رجل دولة، ورئيس حكومة، وصاحب
قرار ورؤية ثاقبة، ويشهد الجميع بتفانيه اللامحدود، وحكمته وحنكته وسداد رأيه، وجهوده المتواصلة
لخدمة الكويت وشعبها في جميع المجالات والملتقيات، وحفاظا على أمنها وإستقرارها ورفعة شأنها
وإزدهارها.
رحم الله سمو الشيخ سعد العبدالله، الأمير الوالد، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن شعبه وأمته خير
الجزاء، ونسأل الله أن يلهمنا وأهله وذويه الصبر والسلوان .
يا بو فهد لو غبت عن شوف الاعيان=مانك بغايب عـن قلـوب الوفييـن
أسمك رسخ بإحساس شعبك ووجدان=حيث ٍ فعالـك والمواقـف براهيـن
عبدالعزيز الفدغوش