بمشاهدة نجم قادم من كوكب آخر غير الأرض يعتبرالجيل الكروي الحالي أكثر حظا دون سواه , فهو يستطيع أن يرى بأكثر من زاوية , بأكثر من إعادة بطيئة , بأكثر من كاميرا هذا الجرم الفضائي , وإذا فاتته المباراة أو اللقطات المعادة سيشد شغف هذا الجيل الرحال إلى عوالم “اليوتيوب” وروافده ليتابع الخارق الذي ينتمي إلى سلالة اللاعبين غير الطبيعين والذي أصبح لنا أن نشاهد إبداعاته وجنونه وتجاوزه وهلوساته وتوازنه وظلمه وعدالته و كل ما هو طبيعي و غير طبيعي وكل ما هو معقول وغير معقول في كرة القدم عبر وسائل وتقنيات الإعلام الحديث , بعكس ماردونا وبيليه ربما اللذين لم يتواجدا للجيل الحالي بهكذا شكل إعلامي مكثف وجديد ، وإن كان مارادونا عراب الكرة الفردية الحديثة كان هو الآخر أكثر حظا للجيل السابق والحالي من بيليه . ميسي .. الظاهرة النادرة متاح للجيل الحالي بشكل مغاير ونحمد الله أن العمر أسعفنا لأن نشاهده لا أن نسمع به , الكثير من عرائض المدح والأوصاف التي تنهال بشكل يومي عبر صحف ومحطات العالم بعد كل مباراة يلعبها هذا الداهية المتواضع وعجبي كيف جمع هذا القصير القامة هاتين الصفتين فهو داهية من دواهي الأرض والتاريخ والموهبة والمهارة وهو أيضا المتواضع حد السذاجة وفي أحيان حد الذكاء العميق , وكأن لديه مستشارون إعلاميون ونفسيون يوجهونه بماذا يقول ويصرح وكيف يمتص كل هذا الزخم الإعلامي من حوله ويحوله لمصلحته لا ضده - يعني بإختصار ( مش مثل ربعنا ) , ميسي الطفل الذي غيّر ملامح الكرة الحديثه القائمة على بعد جماعيتها وجمالية ادوار هذا البعد أعاد للفردية القائمة على فكرة ( ون مان شو ) قيمتها وأهميتها وإن كان هذا الطفل بهكذا خيال وأداء لا يستغني في أساسه وطريقة دحرجته للمستديرة عن جماعية برشلونه التي تثبت يوما عن آخر أنها جماعية منصهرة في فرد و فرد منصهر في جماعة عملا بتعبير (مفرد بصيغة الجمع ) الشهيره لدى ادونيس !! (يخرب بيتك) يا ميسي أقولها بلهجة أهل الشام عندما يطلقون هذا التعبير الشاتم كدليل إعجاب شديد للشخص الذي فرض نفسه على التصفيق العالي، ومثّل الرائع زياد الرحباني هذا التعبير بصيغته العفوية عبر صوت ملائكي كصوت فيروز عندما غنت “ على هدير البوسطة «وقالت :» .. ويخرب بيت عيونك يا عليا شو حلوين “ ! , فعلا يخرب بيتك يا ميسي .. ! إلى أين تنوي أن تذهب بكرة القدم ؟ ما هو التكوين الذي يمتزج بداخل تفكيرك ؟ وكيف وصلت لهكذا توافق بين الفكرة الآنية خلال اجزاء الثانية وبين عضلات جسمك التي تمشي بأمر المخ ؟ أي مخ كروي تمتلك ؟ يا ميسي من أين لك هذا السحر الذي لم يأتيه أحد قبلك وقد نحتاج لسنوات وسنوات حتى يأتيه أحد بعدك ؟! ما هو السر الذي مكّنك من تحويل “المستحيل كرويا إلى ممكن” على حد تعبير أرسن فينغر ؟! برغوث يجمع من حوله كامل العشق والإعجاب , المدريديون والبرازيليون قبل أهل البارصا وقوم بيونس ايرس , ينتزع الإعجاب بدون تكلف أو عناء , هو يلعب كرة القدم لأنه يستمتع بها , يستمتع بها وفقط وكل الأشياء الآخرى المتعلقة بالثراء والشهرة والإعلام والجماهيرية الواسعة في العالم تأتي له لوحدها بعد ذلك , تأتيه لأنه لم يرغب بها ربما , ودائما تأتينا الأشياء التي لا نرغب بها في حين تهرب منا الأشياء التي نلح على القبض عليها . الفاهم لمعنى الموهبة التي من الصعب بل من الإستحالة أن تتكرر حتى قريب لا لشيئ وإنما لأنه نادر والنادر قيمته في عدم تكراره وإلا اصبح كأي شيء آخر , الفاهم لا يسعه الا أن يقف طويلا ويمل من الوقوف الطويل ليجلس ومن ثم يعاود الوقوف مطولا أمام هذه الموهبة الفذة التي بدأت بهجرة من أراضي الأرجنتين وهي في عمر لم يصل بعد إلى الثانية عشرة وسط رغبات وأماني أسرة ارجنتينية تلتحف فقر بيوت الصفيح بأن يفعل قصيرهم شيئا ينقلهم من حالة البؤس إلى حالات رخاء ممتد , ولم يفعل هذا القصير ذلك وحسب بل نقل مفهوم الفردية في عالم كرة القدم إلى عالم جديد و نقل مفهوم كرة القدم برمته إلى شيء مغاير.. إلى شيء يسهل فهمه ويصعب إستيعابه , فمدربو كبريات الأندية يعرفون ما يمتلكه ميسي جيدا ويحكيون في سبيل إيقافه كل ما هو متاح وغير متاح من وسائل شرعية وأخرى غير ذلك ولكن بالرغم من كل هذا تجدهم ساعة الحقيقة , ساعة بدء الصافرة لا يعرفون كيف يوقفون ضئيل الجسم هذا !! فهو يفعل اللامتوقع , لذلك حري بكل لاعب يضع في نيته أن يراقب ميسي أن تصل مستويات تفكيره إلى اللامتوقع قبل المتوقع وحتى هذا الوقت لم يأت هذا اللاعب بعد ولا نعتقد أنه سيأتي , لأنه لو وجد فهذا يعني أنه في سبيله لتجاوز توافق ميسي الذهني والعضلي أو هو ميسي آخر وحتى الآن لا شيء يشير إلى أن هذا النادر الذي يحتاج إلى أبحاث مطولة لفهم خفايا تركيبته المهارية سيصل لاعب ما إلى مستويات اللامتوقع التي يصل إليها ميسي وبالتالي إيقافه , لذلك لم نجد تفكير يسبق ما يفكر فيه ميسى خلال أجزاء الثانية , فكلهم يفكرون بعد تفكيره وكل حركة معترضة منهم بإتجاهه هي ردة فعل وليست الفعل ذاته وهنا يكمن الفرق . يحق لمن أشرف على تدريبه وهو صغير السن والحجم في أكاديمية برشلونه أن يفخر طويلا ويكفي هذا المدرب شرفا وفخرا أنه ساهم في إهداء العالم متعة نتابعها بطفولة وشغف كبيرين أسبوعيا , ومرة أخرى نحن محظوظون للغايه لأننا في عصر ميسي وبالعماني ( لحقنا عليه ) , وتمكنا من أن نشاهد قدمه الصغيرة الضئيلة وهي مربوطة بكرة القدم بخيط غير مرئي , ميسي مخرب البيوت وجالب المتعة , ميسى لو حصل ولم يسعفك ابناء جلدتك الارجنتينيين أن تمارس خراب البيوت الكروية في مونديال جنوب أفريقيا القادم فنحن الخاسرون وليس أنت!! ومع الاعتذار لسيدة اقمار الغناء العربي السيدة فيروز لا نملك إلا أن نشيد بك ب تحريف بسيط لأغنيتها ونقول : ( يخرب بيت رجولك يا ميسي شو مهضومين ) !! . نقلا عن جريدة كووورة وبس العمانية