شاعرة عراقية، تناهبتها المنافي منذ أول لثغة شعر، فرفرف حمام قصيدها في سماوات لاغصون في شرفاتها، ورود الموسوي وأنت تحدثها لاتحتاج الكثير من الفطنة لتكتشف أنها عراقية بما تحمله ذاتها من إصرار وتحد وثقة بما تقول، ولكي تطل على مسافات النص من حيث تراه بدقة أكثر ووضوح أبلغ فقد دلفت ورود ميدان النقد الأدبي عبر دراسة أكاديمية مازالت في خضمها، وكالة أنباء الشعر التقت الموسوي وكان هذا الحوار..
-يقول البعض أن ورود الموسوي عاجزة عن كتابة الشعر العمودي، هل لديك ماينفي ذلك .. أم تؤكدين؟ الشاعر الجاد لا يعجز عن كتابة نصّه أيّاً كان عمودياً ’ تفعيلياً , حراً ,,, تعلمتُ العروض بسبب الاذن الموسيقية وأنا بنت العاشرة ولم أعرف حينها اسماء البحور كنتُ اقطّع البيت واعيد تركيبه واكتب على نسقه دون حاجة للعودة للبحور واسمائها .. وبعد تقدمي بمراحل الدراسة وبعد دراسة علم البيان والبلاغة درست علم البديع و العروض .. لم تضف لي دراسة العروض سوى اسماء البحور والتمكن منها .. وبعد حين في دراسة الماجستير كان أهم بحث مُنحت عليه أعلى درجة في الجامعة من قبل البرفسور كمال ابو ديب كان بعنوان ( التحولات العروضية نماذج من الشعر القديم والحديث) وتناولت هنا المتنبي وابي نؤاس والسياب وادونيس .. وكان البحث اثباتاً على خروج هؤلاء الشعراء (المتنبي وابو نؤاس) في زمانهم على عروض الخليل وكيف تم التحول من دائرة تفعيلية الى اخرى بل الخروج كاملاً من بحر الى آخر. الشعر العمودي لا أسهل منه إن نظرنا إليه على أنه وزن وقافية لأنك لا تحتاج سوى المران وإجادة الوزن وبعدها يسهل النظم .. لكن الأمر معي مختلف فالشعر هو غايتي أينما تحقق ستجدني فيه .. وما لا يعرفه البعض ربما اني كتبت الشعر العمودي لكني لم ولن أنشر منه شيئاً لا في السابق ولا في الوقت الحالي لأني اعتبرها تجربة خاصة لا تعني احداً غيري. لكن مَن يدري ما تُخبّئُ الايام القادمة..! أخيراً ,, لا أحد يملك الحق في تعجيز الآخرين لأننا لا نعرف ببساطة كل مواهبهم أو قدراتهم,, فلهذا البعض همسة ( لنكن منصفين فقط )
-صرحت مرّة أن لاشعراء في البحرين لهم خصوصية ؟ كيف قررت ذلك ؟ والا ترين انك تصادرين تجارب مميزة لها حضورها في المشهد الشعري؟
مسألة المشهد الشعري لا يُبنى عليها .. بمعنى ان هناك من يتسيد الان الساحة الشعرية ولا اعني البحرين فقط بل في العالم العربي ككل وهو لا يمت لهذا الكائن بصلة .. إذ تأخذ دائماً المحسوبيات والمنسوبيات والاخوانيات الشكل الأوسع في تمرير الغث الكثير والخلق منهم شعراء يتسيدون المشهد الشعري كما تفضلت .. اما تصريحي فهو لم يكن تصريحاً مباشراً لكن جاء في سياق الرد على أحدى المداخلات في منتدى متكأ البحريني المنشأ .. وقد استاء منه الكثيرون دون شك .. وما جاء اعتباطاً بل جاء لعدد الكتب التي وصلتني واعني الدواوين التي لم أجد فيها شعراً حقاً .. وهذا ربما سمعته يوم الأمسية إننا اليوم سمعنا شعراً حقاً .. وهذا يعني ان الجو العام الشعري في البحرين يحمل طابعاً واحداً متشابهاً ولك أن تأخذ الرؤوس المتسيدة لتجري عليها مسحة عامة من ناحية اللغة الشعرية / التوظيف اللغوي للمفردات / استخدامات الرموز/ البناء العام للنص .. ستجد هذه المكونات واحدة ولا تتعدى السائد، والأمر ليس مصادرة لأحد بل هي "نكشة" كي نرى شعراً مائزاً لا تجربة واحدة تنتمي لشخص واحد يتناسخها الاجيال بشكل مشوه.
-هل كلامك ينطبق على الشاعرات ام الشعراء تخصيصا ام هو مطلق؟
بل هو مطلق .. لأن الشاعرات هن الأضعف دون شك من ناحية الطرح .. ودعني اترك البحرين فمهما اختلفنا سنتفق انها رائدة في مجال الأدب والشعر تحديداً ولا ننسى أسماء لها قيمتها الشعرية ولا ننسى قاسم حداد وأمين صالح وعلي الشرقاوي وأسماء كان لها ثقلها آنذاك .. لكني كنت أتحدث عن تجربة الشباب ... ودعني انطلق من الأخص الى الأعم وتعال معي لنمسح بشكل عام الشاعرات العربيات والعراقيات تحديداً ولنرى النتاج .. المرأة الشاعرة ما زالت بحاجة لتخطي الكثير كي ترقى بذائقتها الشعرية أولا ونظرتها لذاتها ثانياً . من المؤسف حقاً أن أقول ان الشاعرات هن المثال الاسوء اليوم في عالم الأدب والشعر .. إذ لا أدب في طرحهن الشعري أو الأدبي .. لا توجد غير لغة الجسد المتسيدة في كل ما يطرحن وما يسعين له .. واني لأستغرب حقاً .. كيف تحولت المرأة الشاعرة من مثال راق في الحس الى جسد ممتهن .. يرتضين امتهانه بحجة الحداثة وكسرالقيود ولا ادري حقاً عن اي قيود يتحدثن ..؟ وهل كي تكسر الطوق لابد ان تستخدم لغة العري كي يُشار لك بالبنان او يُصَّفّق لك ...؟ ام هي اللغة السائدة اليوم على وزن الاغاني السريعة والزبد الذي يذهب جفاء ...؟ هناك اسماء ما انزل الله بها من سلطان يندى الجبين لما تكتب وليتها تكتب على اساس شعري حقيقي بل هي تهويمات وتصورات صاحبة القصيدة عن ليلة حمراء .. لم يعد حتى في لغة الجسد ما يستحق النظر.
-على ذكر الجسد ، ماتعليقك على صدور مجلة جسد ، الا ترين انها خطوة واثقة باتجاه تجاوز التابو؟ خصوصا اننا نسمع عن مبيعات متميزة لها
هنا في العالم الغربي يوجد قسم يُسمى بالأدب الايروتيكي او الداعر .. لكن تعال اليوم لنتاج الشاعرات ( وعبثاً اسميهن شاعرات) ولنتصفح ما يكتبن .. فأنك لن تجد لغة شعرية ولا حتى ترميزا ولا توظيفا لمفردة ما، كل ما في الأمر شحنات نفسية وكبت نفسي يلقى على وجه على الكائن المسمى شعراولأنها امرأة فلابد من مصفقين يصنعون منها ربة الشعر ولأنها لا تملك الذائقة السليمة ولأنها مبتدئة فستصدق انها شاعرة بامتيازوهنا حتى لو كانت ذات موهبة حقيقية فسيقتلها التصديقاما مجلة جسد فلماذا لا تكون مبيعاتها عالية؟ ماالضير في ذلك؟ مادامت تحمل اسم الجسد؟ صدقني ما هذه المجلات ولا الذين يكتبون هذه اللغة إلا مثالاً حقيقياً للزبد الذي سيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، ليس الشعر تهويمات وصفنات وانتحال شخصية او العروج بخيال يخلق من ورائه خيالاً يثير الشهوات والحسيات .. اي نعم قد يكتب هذا اللون البعض .. لكن حين يتحول الى ظاهرة واحدة وكأن الشعر لم يُخلق الا لهذا الغرض هنا علينا جميعاً الوقوف لنرى أين نحن من هذا الكيان..؟ وماالذي يجعلنا نميل كل هذا الميل باتجاه واحد...؟
اعود لذات السؤال ولماذا لا تحقق حضوراً كبيرا؟ ثم من الذي يحكم بكبر الأسماء وصغرها ...؟ اظننا سندخل في مفازات ضيقة هنا انا لا تعنيني الأسماء كثيراً بقدر المنتج والمضمون والهدف .. ان كان الهدف سامياً فلم لا، لكن ان يكون الهدف تشويه الذوق البشري بحجة الحداثة وكسر التابو هذا الذي لا يقبله اي ذوق سليم .. يا عمر هناك ثقافة خطرة بدأت تغزو مجتمعنا تحت مسمى التابو .. كلمة حق يراد بها باطل .. اي تابو؟اي تابو هذا الذي نود كسره ؟ ان تتعرى شاعراتنا ويتغزل بهن الشعراء وتسيد لغة الغرائز في الشعر ؟؟؟ هل هذا هو التابو؟
-وهل على الشعر ان يكون معمما او لابسا للحجاب ، ألا ترين انك تنادين بأدب مؤطر بايدلوجية؟ للاخر ان يكتب ذاته كما انك تفعلين؟
من قال هذا ؟؟يعني لا إفراط ولا تفريطكل ما اطلبه هو الرفق بالأجيال القادمةهناك تشويه واضح لا أظنك تغفلهوهناك ايديلوجيات تعر واضحة،ثم مصطفى جمال الدين كان شاعراً غزلياً باحتراف وكان معممالا أرى الشكل أو الزي في الشعرأنا أتحدث عن جوهر عن إنسانية بدأت تنحدر للحضيضأتحدث عن ايديلوجيات كاذبة بحجة الحداثةلا عن شكل وزيثمة فرق واضحلا أطالب مجلة جسد بارتداء الحجاب بل أطالبها بالسترلا غير. على الأقل أن تحترم الشريحة الأخرى التي ترفض التعري.
-الا ترين ان موضوعة التحجب والستر نسبية من حيث الرؤية، كل له تعريفه للستر والحجاب، فكيف ان كان شاعرا ومعنيا بالفن ؟
جميل جدا هذا السؤال..نعم ثمة فرق بين الحجاب والستر لكن هناك عفة أراها من اولوليات المرأة المزروعة فطرياً بها ... بمعنى كلما استتر المعنى في القصيدة كلما بات فك رموزها أجمل وبرغبة اكبر .. لكن حين تأتي لي بقصيدة سافرة المعنى ماالذي سيغريني بها كناقد او كمتذوق للبحث فيها ؟ لا يوجد فيها ما يستحق النظر لأنها واضحة لدي .. وحتى مفهوم الإغراء لو أردنا الحديث عنه من خلال الشعر كلما كان مستتراً كان ابلغ .. والضمائر المستترةدائما ابلغ في اللغة، أنا هنا لا أتحدث ولا أؤسس لحركة شعرية ترتدي زياّ معيناً .. بل أطالب كل شاعرة ان تتمسك بما منحت من صفات خاصة بها .. مثل الحياء والعفة .. لا أطالبها بأن لا تكتب مافي داخلها لكن لتكتب برمزية عالية .. أن تتعب على ذائقتها أولا ومنها سيسهل عليها اختيار المفردة التي قد تقصم ظهر قارئها بدلاً للجوء للطريق السهل والمفردات المرمية على قارعة المتشاعرين ..
-وماذا أيضا؟
لا اريد اكثر من قصيدة تحمل جمالها الداخلي لا عريها الصارخ .. أريد قصيدة تجعلني ابحث عن الكامن فيها لا أن تتجسد لي بشاشة عرض وسرير نومأما الفن .. فأنا معنية به رسماً وتصويراًحديث فيه يطولابتداء من النظرة للفن من الناحيتين الغربية والعربيةوالفرق بينهماوالجمال ماذا يساوي في الحضارة الشرقيةوماذا يساوي في الحضارة الغربية حين نفهم مثلا ان معطيات الجمال عند الحضارة الشرقية والإسلامية تحديداً (كوننا لا ننسلخ عن هوياتنا وإلا سنصبح عقاعق مشوّهة) ناظرة الى ان جمال المرأة باحتشامها فترى تمثالاً لامرأة بزي طويلفي حين مقاسات الجمال في الحضارة الغربية هو العريفترى تمثالاً عارياً لامرأة جميلة ..حين نفهم الفروقسنفهم مجتمعنا أكثروالسؤال لماذا تطالبني بتعرية تمثايل الشرق بحجة الحداثة ومابعد الحداثة ولا احد يطالب تماثيل الغرب بالستر؟ إذن هو اختلاف الحضارات واحترامها كما اني احترم الآخر المختلف لا أريد منه سوى احترام حضارتي وما انتمي لهوصدقني يا عمرمن خلال احتكاكي الكبير والواسع بالوسط الأدبي الانكليزيوجدتهم لا يقيمون وزناً للذي يعرج خلفهم متباهياً بعوقهلأنهم ليسوا بحاجة لنسخ تُشبههم بل لديهم عطش واضح لمعرفة أسرار الشرق وكم يحترمون من يؤمن بذاته وشرقيته وحضارته.
-عن دار "الغاوون" صدر لك مؤخرا ديوان شعر بعنوان " هل أتى " ما المساحات التي اختلفت فيه باشتغالك عما هو مالوف في الساحة خصوصا أنك تنعتين مشهدا شعريا بالتطابق؟ لنكن دقيقين أكثر لم أنعت المشهد الشعري بالتطابق بمعنى التطابق التام لأني وأنت نعرف أن لكل شاعر اسلوبه الخاص به حتى ولو تناصّ او تلاصّ او تطابق مع غيره فإنه لا يتطابق كليّا بل جزئياً. ربما ما تمت الاشارة اليه سابقاً ان المشهد الشعري متشابه والاصوات فيه متشابهه رغم تميّز البعض أو رغم محاولتنا جميعاً الخروج من قيد التشابه. وهذا أراه صعب التطبيق على الشام مثلاً لأنك وأنت تقرأ شاعراً شامياً (واعني الشام بالمطلق) فأنت تحدس مباشرة ومن خلال لغته الى انّه ينتمي الى الشام هناك لغة مشتركة بين الجميع وهذا ليس عيباً لكن الاختلاف والمغايرة هو الذي يتسيّد آخر المشهد. والحال ينطبق على الخليج والمغرب والعراق ايضاً .. بمعنى أن هناك هالة توّحد شعراء البلد الواحد او المنطقة الواحدة وكسر هذا المألوف أو الخروج من نسق الهالات هو للجادين فقط ,, وما أعنيه بالهالة هي الصبغة التي توّحد اللغة , الاستعارات , التشبيهات , الموضوعات , وحتى طبيعة المعالجة تجدها عند البعض واحدة. لستُ من المدعين بالافضلية كي أتحدث عمّا اشتغلتُ عليه في الديوان الثاني والرأي الأكثر انصافاً سيكون للنقاد وليس لي .. لكنها ذات المساحات التي رسّختها في الديوان الأول عدتُ ثانية أرسمها بألوان وذبذباتٍ أكثر نضجاً ,, موضوعي الأبدي هي الروح وما يتعاقب عليها من ألم , وحزن , جوع وعري , أرقٍ وغفى , صحوٌ ومحو .. والروح هنا تأخذ أشكالاً عدّة فمرة تجدها تلبس وجه غريب عائد محمّل بالشوق والحب ومرة اخرى تلبس وجه غريب آخر لفظه الرفاق فراح يحتمي بغربته اللئيمة ,, مرة ثالثة تطالعنا هذه الروح وقد أخذت شكل وطن مسحوق فارغ إلا من الزجاجات وعلب السجائر الفارغة,, والعلبة الفارغة روحٌ اخرى اُفرغت مما كانت عليه... الأنسان وروحه / الوطن وروحه هما المتسيّدان في كل ما احاولُ ترسيخه.
-يصف شعراء العراق الجواهري بـ" الشاعر المناضل" فيما يلحظ القاريء لشعر الجواهري أنه كان مدّاحا للسلاطين حتى انه مدح الوصي عبد الاله والملك حسين بقصيدة واحدة عدّل بعض كلماتها.. ماتعليقك؟ لو أردنا محاكمة الجواهري على مدحه للسلاطين فعلينا العودة الى المتنبي لنجده أسقط نفسه في متاهات كثيرة وأولها مدحه لكافور الاخشيدي ! ولو أردنا المقارنة بين الاخشيدي والوصي عبد الاله فإن كفة عبد الاله هي الراجحة في مقاسات الافضلية على علة الاثنين . أراه من المجحف حقاً أن يُغفل الجانب الأهم في شعر الجواهري ويُسلّط الضوء على جانب ضئيل من عطاء هذا الرجل الذي فاق زمانه شعراً وبلاغة وأعاد زمن الشعر النبيل بكل انواعه فقد كان الجواهري فارساً على مقاسات عصره وكان هجّاءً على طريقته ومدّاحاً على طريقته وايروتيكياً على طريقته ايضاً .. افاد من الشعر الجاهلي والاموي والعباسي حتى اتانا بعصارة كل هؤلاء فلا يمكن لي انا المتعلمة أمامه أن أقف عند نقطة مدح وهي برأيي حرية شخصية لا يمكن لأحد التدخل بها .. هل تسقط شعرية عبد الرزاق عبد الواحد..؟ فقط لأنه كان لسان صدام حسين؟؟ الجواهري تربّع على فم الزمان فأخرسه لم تولد امرأة بعد شبيهاً له .. لذلك علينا أن نكون أكثر وفاء للجواهري الذي أكلته سنين الاغتراب والتجوّل من بلد الى بلد والموت في الغربة وأن نتذكر عبقريته الشعرية ونتذكر جيداً كم كان هازءً بكل ما يراه وما يؤول اليه حاله وحال الجميع: لم يبقَ عندي ما يبتزّه الألمُ الجواهري قامة من قامات الشعر العربي الحديث علينا أن نفخر بها لا أن نحطمها ,, خاصة وأننا نُعرف بتقديس الاموات لكني ما زلتُ أعجب لماذا الجواهري بالذات مازال شوكة بحلق الجميع يحاولون اقصائه والتقليل من شأن شعريته دائماً. وما يسوؤني أكثر أنها تأتي من عراقيين .. وهذا دليل آخر على مقدار الظلم الذي تعرض له الجواهري. لكنه: باقٍ وأعمارُ الطغاةِ قصارُ سلامٌ عليه وعلى دجلته الخيّرة.
-وأنت تطلين من منفاك على العراق واقعا ثقافيا، الى أي مدى أسهمت متغيرات مابعد 2003 في تقديم مشهد أدبي يحتفى به؟ الإحتفاء الوحيد الحالي الذي يحق لي أن اشير له هو دخول الانترنت للعراق .. هذه التكنلوجيا التي ساهمت في مد الجسور بين كل العراقيين وبعضهم وبين العراقيين والدول العربية الاخرى .. ولو كان الانترنت وحده لا غير انجاز ما بعد 2003 فهو كافٍ للمبدع الذي هو بحاجة لايصال صوته خارج حدود بلده. لكن ... العراقي بطبعه خلاّق والمشهد الثقافي العراقي يطرح كل يوم أسماء عديدة منها الرديء ومنها الجيد..و ما نحتاج الى رصده والتعامل معه بحذر برأيي عدة نقاط: * ظهور أصوات ضعيفة جداً على الساحة العراقية لتتسيّد المشهد الثقافي وذلك بسبب علاقاتها الحزبية أو الطائفية. * الحاجة الى إعادة ضخ دماء جديدة في اتحاد الادباء والابتعاد عن التكتل والشللية القاتلة لكل نشاط ابداعي. * من خلال متابعتي أجد أسماء مكرّسة تُعد على الاصابع مع احترامي الشديد لهذه الاسماء لكنها لا تمثل كل المشهد الشعري او الثقافي في العراق توجه لهم الدعوات وكأنها حُجِزت سلفاً ..لذلك أقول لهم ابتعدوا قليلاً كي يتنفس الاخرون. أيضاً تجدر الاشارة الى أن ما بعد 2003 قرأنا شعراً حراً ولا أعني به (الشكل) بل القصائد التي جاءت رغم انها تشير لواقع مأساوي مظلم ومليء بالدمار والدماء والمجهول لكن رؤية الشاعر بدت اكثر حرية من ذي قبل.. هناك من بدأ يمرر قصيدته بقصدية رائعة .. وهذا انجاز حقيقي .. ومما يُحتفى به أخيراً ,, أن الشاعر استعاد كرامته ليكتب كل ما يريد دون الحاجة لأن يُطأطئَ خشية الرقيب. وزير الثقافة العراقي سعدون الدليمي -علت أصوات كثيرة في أوساط الأدباء العراقيين منتقدة تسمية وزير الدفاع العراقي السابق سعدون الدليمي وزيرا للثقافة ..فيما بارك آخرون .. لأي الفريقين تضمين صوتك .. ولماذا؟ يا عمر .. هم سعدون وهم دليمي .. لا أدري كيف يفكّر صنّاع القرار في مطبخ المنطقة الخضراء لكن هذا دليل على التخبّط الحاصل وعدم فهم معنى الثقافة العراقية بالمعنى الجاد وهذا ايضاً دليل آخر على مطالبتي قبل ثلاث سنوات في إحدى المؤتمرات السياسية / الثقافية في لندن برئاسة الشاعر والسياسي نبيل ياسين طالبتُ وقتها بـ ادخال المسؤولين الحاليين بالعراق ابتداء من رئيس الجمهورية جلال الطالباني مروراً برئيس الوزراء نوري المالكي وصولاً لأصغر كنّاس في هذه الخلية المسؤولة على حفظ العراق أن تقام لهم دورات في فهم الثقافة العراقية منذ 1900-2008 وهذا كان تاريخ المؤتمر .. عليهم جميعاً أن يعرفوا تاريخ العراق الثقافي / الفني / الادبي / الشعري .. مذ ذاك الزمن والى اليوم ,, كي يعرفوا قيمة البلد الذي يتعاملون معه وايضاً لمعرفة نفسية المثقف العراقي او المبدع العراقي ,, وكي يعرفوا ايضاً لماذا المثقف مستاء دائماً من السياسي الذي يجهل المثقف ويقوم الاخير بتجهيله والنظر اليه على انه متخلف لا يفقه بالثقافة شيء. كيف يمكن لعسكريّ (وزير دفاع لابد أن يكون عسكرياً وإن كان مدنياً ووضع في منصبه العسكري فهي كارثة اخرى) كيف يمكن لمن تعوّد الاوامر العسكرية أن يفهم خيال الشاعر ...؟ لا يمكن قطعاً لذلك أنا ضد المحاصصات التي تحدث وضد مقولة الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب .. ويكفي مهزلة يا صنّاع القرار.
-ماالذي تقدمه لكم الملحقية الثقافية العراقية في لندن.. لا شيء .. بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ... لا شيء .. والسبب بسيطٌ جداً ,, لأن القائمين عليها لا يمتون لمعنى الثقافة بصلة هذا من جهة ومن جهة اخرى هم يعللون ذلك على أن عمل الملحقية عمل إداري غايته متابعة شؤون الطلبة المبتعثين لا غير ..! لكن الحل بسيط جداً وهو إعادة هيكلية الملحقية السابق حيث كانت تنقسم الى قسمين الاول اداري لمتابعة شؤون الطلاب والثاني ثقافي بحت بادارة مهرجانات واحتفالات ثقافية... لكن كلما تحدثنا كلما زاد رصيد الاقصاء وأعتقد ان صوتي الوحيد الذي يعلو دائما في التجمعات والمؤتمرات بتتبع وتقصي التعثر الواضح في اداء الدور الثقافي للملحقية وقد قلتُ هذا الكلام في فترة الانتخابات في دائرة مباشرة تلفزيونية من لندن مع بغداد وكان علي الشلاه وصفية السهيل واخرين .. حين قالت صفية السهيل ان في خطتهم المستقبلية تعزيز العلاقات بين مثقفي الخارج والداخل من خلال الملحقيات الثقافية ,, فقلتُ لها كيف يمكنني كمثقفة أن أثق بهذا الكلام بوجود ملحقيات ثقافية يديرها ويقوم عليها اناس لا ناقة لهم في الثقافة ولا جمل والملحقية الثقافية في لندن خير دليل... فما كان منها إلا أن تؤيّد كلامي الذي علت القاعة له بين مؤيد ومعارض! -كلمة أخيرة تودين قولها؟ كلمتي الأخيرة للحكومة العراقية ,, الله الله بهذا الشعب الذي انكسر كل زجاج العالم فوق رأسه ومازال ناشطاً ويقظاً ومبدعاً ومعطاءً ,, كلمتي الأخيرة لــ رئيس الوزراء نوري المالكي ,, العمائم التي حولك يملؤها السوس والدسائس ولو أردتَ أن اسمّيهم لكَ لا مانع لديّ ,, إبعد هؤلاء عنك ونظّف مكتبك من عقلية حزبٍ أنت تعرف انه مات بموت مبدعه ,, ولا تراهن على وجوهٍ خاسرة,, ليكن رهانك على وجه العراق فقط ,, وكن أقرب الى الناس مما أنت عليه ولا تنسَ كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيّته. كلمتي الأخيرة للمثقفين العراقيين ,, الله الله بأرواحكم وأنفسكم ,, لا تُرهقوها بالتوافه ,, وركّزوا على منتجكم وعطائكم ,, لا تجعلوا قلوبكم مزرعة للحقد والمنافسات غير الشريفة . كلمتي الأخيرة للشعراء العراقيين ,, الله الله باللغة فهي التي نلجُ من خلالها للروح ونكتنه من خلالها الذات ,, الله الله بـاسمائكم ,, فهي دليلكم إليكم وهي الجسر الذي يربط الاخر بكم ,, وتذكروا مَن لا يحترم اسمه بتقديم الرداءة فلن يحترمه أحد ولن يسلم من مشارط الجميع... لذا لا تزيدوا الغثّ دنّ. كلمتي الأخيرة للشاعرات العراقيات ,, لا تركبنَ موجة كاذبة فلا أسهل من المشي العاري ,, وليكن همّكن أولاً المعرفة العميقة والدراسة الجادة لكل ما يستحق في هذي الحياة ,, ليكن شغلكنّ الشاغل الاطلاع والقراءة وعدم الاكتفاء بالوجبات السريعة كي نقرأ شعراً نسوياً ناضجاً معرفياً وثقافياً ,, لا تُقلدنَ أحد فالتقليدُ نسخةٌ مشوّهةٌ عن الأصل . كلمتي الأخيرة لــ ورود الموسوي أقول لها مذكّرةً فأمّا الزَّبدُ فيذهبُ جُفاءً وأمّا ما ينفعُ الناسَ فيمكُثُ في الأرض. كلمتي الأخيرة لكَ يا عمر عنّاز ,, ممتنةٌ لأنك فتحت ملفاتٍ كنتُ نسيتُ أغوارها ,, ممتنةٌ لأنك بهذا النقاء.