( 180 ) مدار الأفكار
موازين حطين
يقول الشاعر العربي :
بمثل ذا الفتـح لا والله مـا حكيـت= في سالف الدهر أخبـار ولا سيـرُ
يا بهجـة القـدس إذ أضحـى بـه= علم الإسلام من بعد طي وهو منتشرُ
في عام 1095م دعا البابا إربان الثاني إلى شن حرب صليبية للسيطرة على الأراضي المقدسة في فلسطين،
معلناً أن تلك هي مشيئة الله ، وتحقيقا لتلك الدعوة احتلت القوات الصليبية معظم الأراضي والبلاد الإسلامية
ومنها ( القدس ) وذلك عام 1099م وذبحوا معظم سكانها وأقاموا فيها العديد من الممالك، التي تركزت حول
المدن والقلاع المنتشرة في المنطقة، واستمرت السيطرة للصليبيين على بلاد الشام حتى معركة حطين والتي
جرت أحداثها ( بين الناصرة وطبرية) قرب قرية حطين، بين الصليبيين وقوات المسلمين بقيادة القائد المظفر
الناصر صلاح الدين الأيوبي وذلك في 4 يوليو عام 1187م أي في مثل هذا التاريخ قبل ( 823 ) عاما,و
أسفرت عن انتصار المسلمين وهزيمة الصليبيين وسقوط مملكة القدس ، وتعد الغارة اللصوصية التي شنها
رينالد دي شاتيلون ( أرناط) ( ( De Chatillona) الشرارة الأولى و السبب المباشر لهجوم المسلمين ، ففي
أواخر سنة 1186 م( وخلافا لشروط الهدنة التي عقدت عام 1180م ) شن المغامر الوقح رينالد غارة غادرة
على قافلة متجهة من القاهرة إلى دمشق ونهب بضائعها، وأسر أفرادها وزج بهم في حصن الكرك،فقام
صلاح الدين في الحال بمطالبة ملك القدس آنذاك ( غي دي لوزينيان ) بالتعويض عن الضرر والإفراج عن
الأسرى ومحاسبة الناهب، ولكن الملك لم يجازف بمس تابعه القوي رينالد، فأعلن صلاح الدين الحرب على
مملكة القدس، إلا إن مرضه أخر بدء القتال إلى مطلع عام 1187م حيث اجتاحت قوات صلاح مناطق قلعتي
الكرك وكراك دي مونريال، وفي شهر مايو من ذات العام أبيدت إلى الشمال الشرقي من الناصرة فصيلة
كبيرة مؤلفة من الفرسان الصليبيين،ولقي الأستاذ الأكبر لجمعية الأوسبيتاليين روجيه ديمولان مصرعه, وفي
2 يوليو أغار صلاح الدين بنفسه مع فرقة صغيرة من جنده على قلعة طبريا، فدمر جانباً منها وقتل حاميتها
، وفي 4 يوليو دارت رحى المعركة الحاسمة والملحمة البطولية عند بحيرة طبريا، في فلسطين بالقرب من
بلدة حطين، التي تتميز بهضبتين تعرفان باسم «قرنا حطين»، وكان صلاح الدين، الذي اختار مكان المعركة،
قد سبق الصليبيين إلى المكان، وتحصن مع قواته فيه، قاطعاً طرق الوصول إلى المياه لغير جيشه، وقد
وانتهت المعركة بنصر مؤزر للمسلمين، وهزيمة كارثية فادحة للصليبيين، بعد قتال استمر سبع ساعات
متواصلة، وسقط فيه الآلاف ما بين قتيل وجريح ,ووقع «الصليب الحقيقي» في أيدي المسلمين بعد مصرع
حامله، و تم أسر الملك «غي» نفسه وشقيقه أمالريك الثاني ومعظم قادة الجيش الصليبي، بمن فيهم رينالد دو
شاتيون، ووليام الخامس حاكم مونفيرات وجيرار دو ريدفور وهمفري الرابع حاكم تورون وحاكمي جبلة
وجبيل، وغيرهم , وتذكر بعض المصادر الغربية أنه لم ينج من القتل أو الأسر سوى ثلاثة آلاف من الجيش
الصليبي الذي يضم حوالي ( 50 ألفا ) من الفرسان وجنود المشاة، بالإضافة إلى عدد كبير من الرماة ،
وأعداد غفيرة من المرتزقة الأوربيين الذين تم استئجارهم بأموال تبرع بها الملك الانجليزي هنري الثاني،
وفي الخامس من «يوليو» عاد صلاح الدين إلى قلعة طبريا فاستسلمت «إيستشيفا»، وسمح لها بالسفر مع
جميع أفراد عائلتها وأتباعها إلى طرابلس, أما الملك «غي» فقد أُرسل مع من بقي من أتباعه وقادته إلى
دمشق، وتم افتداؤهم فيما بعد، ولم يحل شهر سبتمبر حتى كان صلاح الدين قد أكمل تحرير معظم أرجاء
فلسطين ففتح طبرية وعكا و والناصرة وصفورية , وحيفا وأرسوف ونابلس وجنين وبيسان ويافا ثم حصن
تبنين وصيدا وبيروت وجبيل والرملة وبيت لحم ,والخليل ثم عسقلان , وغزة والداروم , فخلال شهرين فتح
"خمسين بلداً كباراً كل بلد له مقاتلة وقلعة ومنعة ", وعندما وصلت أنباء الهزيمة الفادحة للصليبيين إلى البابا
إربان خر ميتاً من وقع المفاجأة، فأصدر خليفته البابا غريغوري الثامن، أمراً بابوياً يعزو فيه سبب الهزيمة
إلى آثام المسيحيين، ويدعو إلى شن حملة صليبية ثالثة, وفي الثاني من أكتوبر عام1187م توج صلاح الدين
جهاده وفتوحاته بتحرير القدس مسجلا بأحرف من نور ساطع صفحات خالدة في تاريخ العرب والمسلمين ،
وفي بادرة طيبة منه أعتق أعداداً كبيرة من الأسرى وسمح لمن بقي فيها من المسيحيين بممارسة شعائرهم
الدينية بحرية تامة فعاش جميع من فيها، بمختلف انتماءاتهم الدينية في وئام وسلام, أما في الذاكرة الجماعية
للغرب فقد عاشت مرارة الهزيمة في حطين حتى اليوم ، وتجلت بشكل روح غربية عدائية للعرب والمسلمين
امتدت على مر الدهور والعصور , وكما يقول كارل بروكلمان: ( لقد حورب الإسلام كثيراً وما زال يُحارب ،
ولكن النصر دائماً للحق ، وما جاء محمد إلا بالحق والحقيقة) .
يا معتبـر خـذ عبرتـك والمعانـي= وأصدق دروس النصر من يوم حطين
قـو ّ العزيمـة والوفـاء والتفانـي= وروح الولاء للأرض والعرض والدين
عوامل ٍ يا صـاح تضمـن ضمانـي= لآيات نصر ٍ يرجحـن بـه موازيـن