في ضيافة الشعر ... السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ... في ضيافة الشعر 1
الشعر خادم للتأريخ !!
هكذا فهمنا من كتب التراث ...
حتى أن العرب قالت : " الشعر ديوان العرب " فهو سجل لأيامهم !!
كانت العرب تفخر بذكر البطولات ، وتحذر من الكذب زيادة أو نقصا ؛ لأن الآخر سينتبه وسيرد ، وبيت شعر واحد يضرب كسوط غليظ !!
الآن ، من لجأ إلى التأريخ في شاعريته ، أراد أن يمص دم التأريخ وأن بستهلك مفردات ناسبت أيامه وأحداثه ليكسب نصه البذخ واللمعان !!
نعم ، جعلنا التأريخ خادما لشعرنا !!
حتى الجمهور يمجد الشاعر الذي يثبت في شعره فهمه للمناسبات المعمرة !!
هل أتى بها ليذكر الناس بها أم ليبهر الناس بتذكره لها ؟!
عجبي !!
س : ما هو التأريخ ؟
لاحظوا معي : هو دراسة الماضي ؛ لفهم الحاضر ، واستشراف المستقبل !!
نحن كما قال أحدهم " بماضينا نعيد النقاشي " !!
*** 2
بعضهم رأى أن الغزل ينافي الرجولة في كمالها لا في أصلها !!
فهو شئنا أم أبينا مدعاة ترف وفساد رأي !!
وهو لون من التصابي وصرف الهمة إلى ما فية النكد !!
ومع ذلك ...
ما بدأ شاعر يريق دم الفكر إلا وبدأ متشببا بفتاة حسناء تخيلها شيطانه أو تصورتها مقلتاه !!
أعزائي : قيسوا كهربية أجسادكم بعد قراءة الجملة التالية :
" كم أحبك يا ... !! "
نعم !!
كل من كتب أراد التنفيس !! ولا أهم من إشباع عاطفة الحب المنتهكة أو المحرمة إما شرعا أو عرفا !!
لست مع سفور أو غرام ، ولكنها الحقيقة : النفس يعجبها في الشيء نعتان اثنان :
* المنع : فكل ممنوع متبوع .
* الفقد : فالاتزان النفسي يلزم المرء بأن يتوهم الشبع وهو في حقيقته جد جائع !!
أمر لآخر : لا بد لطيش الشباب قبل رشد الرجولة وحكمة الكهولة ما يناسبه من سلوك دال عليه !!
ربما ...........
*** 3
ليس الشعر حربا ولا مسابقة !!
فالشاعر صاحب رسالة جند شعرة لخدمتها ، والعربي الأصيل يهجو الخصم بلسانه وهو يمتطي صهوة جواده ، وفي يمينه مهند بتار !!
أي أنه قوي بلا شعر !!
أما الآن : أصبح الشعر نوعا من " الفخفخة " و " المجاكرة " !!
لماذا أضطر إلى اختيار قافية صعبة ؟
لماذا أختاز وزنا معقدا ؟
لماذا التقعر في الألفاظ ؟
ألست أريد وسول فكري الآخر ؟
إذن لماذا أصعب المهمة على نفسي ؟!
لماذا أجعل الآخر يصفق لأنه لم يغهم ولن يفهم ؟!
أحبتي :
الوزن والقافية من المقومات المادية في البناء الشعري ، فلا فرق بين وزن ووزن ، ولا فرق بين قافية وقافية !!
وإن كان بعض النقاد رأى أن كل غرض من أغراض الشعر أوزانا هي الأنسب له والأجدر به ...
الأهم والألزم البناء المعنوي ، والتسلسل المنطقي للأفكار ، وانتقاء الألفاط المعبرة ، وتوظيف ما دل منها على المعاني المقصودة بدقة ، وإكساب الجمادات الحياة ، وإشباع النص بالدراما الحسية ، والتصوير الرمزي ، وجعل النص حالة شعورية متفاوتة ما بين الفلسفة والمنطق ، وعاطفو التمرد على الضد ، والتجرد من العقلانية !!
ّإذن دع الآحر يتلمس حياة الحروف في شفتيك فأو في مداد حبرك ، ولا تدعه يكثر من تناول " البانادول " بعد كل محاولة يائسة للفهم !!
النص من المنظور الإداري ، قيمة نهائية لممارسة تخطيط بدأه العقل ، وحتمته الحواس ، وليس وراء كل خطة إلا هدف ـ فليجعل الشاعر هدفه من كتابة النص غاية يسعى إلى تحقيقها ، ولتكن درجة تحققها في الآخر قيمة تقديرية للنص !!
*** 4
المرأة كالرجل تحس وتشعر ... تتألم وتتأمل !!
تحب وتكره ..
هي إنسان عاقل ومفكر ، وربما تجاوزت الرجل تدبيرا وتأثيرا !!
لماذا لا تكتب الشعر ؟
لماذا لا تدون مشاعرها ؟
لماذا لا تهمس بعاطفتها ؟
عزيزي : نحن في أغلبنا أسرى عادات مقيتة !! ومسودون في ظل أزمة ألف معتقد ظالم !!
المرأة لا يمكن لها في كثير من الأحيان أن تكتب اسمها الصريح ... فكيف لها أن تبوح جهارا ونهارا بشعر يرى المرضى منا أنه تهمة وعار ؟!
لا أرد هنا لا على سلطان ولا على ضيدان ؛ لأنني لا أعلم حجتهما فيما ذهبا إليه ، ولكنني أرد على من علمت سوء آلة التفكير في أدمغتهم !!
هنيئا للخنساء أنها لم تعش عصرنا !!
*** 5
لا أتفق مع من طلب تدريس الشعر الشعبي ، فالشعر الشعبي وإن كان تراثا يحمل خصائص فترات زمانية فائتة ويسجل ما دونته عقول المحنكين ، إلا أنه يتعارض مع تدريس مهارات اللغة العربية خاصة ما يتعلق بالنحو والصرف والإملاء ...
ثم ما الذي يقضده السعيد بتدريس الشعر الشعبيظ ؟
إن كان يقصد تدريسه كشعر فالشعر الفصيح هو الأقدر والأجدر لأنه يلتزم بكل فنون العربيه ...
وإن يقصد تدريسه لعرض الحكم والمأثورات التي فيه ، فهناك ألف سبيل لنقلها للجيل الحالي دون إقحامهم بمذاكرة النص الشعبي ...
الشعر الشعبي مؤثر قوي على فصاحة اللسان واستقامة الألفاظ ، فالشعر الشعبي :
- يخالف القواعد النحوية ، ولا يقيم لموقع الكلمة الإعرابي وزنا .
- يخالف فوانين الصرف ، فيحرف الشاعر في بنية اللفظة حتى يستقيم الوزن أو تنتظم القافية .
- لا يهتم بقواعد الإملاء .
- الخلط بين مخارج الحروف ، فمثلا قد تجد قصيدة شعبية مختومة بروي ( ض ، ظ ) معا .
- الشعر الشعبي لا يكتب ؛ لمخالفته اللغة الأم في كل ما سبق ، ولكنه فن سماعي .
مرة آخر ، لست مقتنعا بمناهج الأدب العربي في مدارسنا ، فهناك تركيز على كم معين من النصوص وإهمال لفترات هامة القرون الوسطى ، وأهملت كثيرا من الشعراء ...
*** 6
الحداثة مذهب أراد منه متخذه التجديد في الألفاظ لا في كونها جديدة مكتشفة أو مخترعة بل في صبها في قوالب لم تكن معتادة ، فالتجديد هنا تجديد في أساليب البناء الدرامي والتصوير الفني ، بما يناسب تطور مظاهر الحياة الموضوفة أو تغير خصائص القيم التي يتبنتاها الشعر باعتبار تقادم الزمان ، وتغير القيم المكانية من الألفة ، والمكون ، والعلاقة الوجودية ، والسببية ...
هكذا أرى التجديد ...
*** 7
قلد الفكرة ، والأسلوب ، ودراما البناء ... لا بأس !! ولكن تذكر أن ...
التقليد موجود حتى في تعلم المثاليات ، ولكنه يحتاج إلى توجيه ومتابعة ، وقطع بعد نضج الأداء ، لممارسة الابتكار بمعزل عن القدوة ...
كل الأحكام الخاصة بالقضايا الإنسانية نسبية لا قطعية !!
*** 8
اللفظ الشعري بين الجودة والرداءة !!
القضية هنا ليست قضية سوء لحن أو رداءة كلمة ، ولكن سننظر للأمر من منظور أبعد فنقول :
- العصر الذي نعيشة عصر عقدة وكم ، وهو في تسارعه لا يعطي فرصة للتأمل والاستدراك ، وإنما أخذ من سلوك الآلة طبع الحدة والسرعة ، فأصبحت كل ممارساتنا الحياتية ذات رتم رتيب وممل ، فكأن الحاصل هو التطبيق الحرفي لنظرية " الهمبرجر " ، فالوجبات سريعة ، والرحلات سريعة .
- الزمان الماضي زمان تمير بالهدوء وقلة المثيرات والمؤثرات والعزلة الثقافية عن الآخر إلا في حدود النفع الدنيا ، فكانت الحياة متجددة كيفا لانوعا ، مستقرة ، تسير بما يدع للفرد ممارسة الاستقراء بجودة ، فكانت النصوص ، ووجبة الطعام ، وغير ذلك كثير ، من الممارسات إلى يلتزم الفرد بإقامتها على أصول تلتزم بالحبكة والصنعة المتقنة الفائقة !!
- خضوعنا للغة الكم أكثر من التزامنا بالجودة المرتبطة بالكيف النوعي والقيمي ، جعلنا نعتبر بوجود الشيء دون الاعتبار بكيفية إيجاده ، أو علة إيجاده .
- التأثر بالسلوكيات المرتبطة بالحضارات المحيطة جعلنا نقلد في حدود ما نستطيع !!
- المفردة لا علاقة لها بالرداءة ، فهي وحدة بناء في السياق لا أكثر ، فقد نجد كلمة في قصيدة عاطفية ، وقد نجد ذات الكلمة في نص حزين أو أبيات هجائية ، وقد يكون الاستخدام هنا حسنا ، وهنا سيئا ، وقد تكون القصيدة الأولى قوية ، والثانية ضعيفة ، المسألة هنا هي توظيف اللفظة في جملة تنتمي لسياق محدد ، يخدم أسلوب الشاعر ، وفكرته ...
*** 9
أنا أكتب وفق ما ينتاب عاطفتي وفي إطار الفلسفة الفكرية التي أراها مناسبة ، وبأسلوب التعبير الذي يحقق الغاية التي كان من أجلها إنطاق المفردة !!
وأنتظر بعد ذلك قبول الجمهور للفكر الذي أحمله والآراء التي تبنيتها عن الحياة ، سواء كان ذلك شعرا أم نثرا ، أو الرفض الذي يلتزم العلمية في تبرير عدم الأخذ وإعطاء البدائل التي تثري ولا ترثي !!
*** 10
أحب من يمارس الاستقراء لا القراءة ...
ورحم الله من أهدى إلي عيوبي ...
ومن قرأ مدادي أوجعني أنينه علي ...
دمتم بلا استثناء !!
***
هلال بن مزعل العنزي
عضو هيئة التدريس بجامعة الحدود الشمالية
العضو الفاعل لرابطة الأدب الإسلامي العالمية
جميع الحقوق محفوظة وحتى لاتتعرض
للمسائلة القانونية بسبب مخالفة قانون حماية الملكية الفكرية يجب ذكر :
- المصدر : شبكة الشموخ الأدبية
- الكاتب :
هلال بن مزعل العنزي - القسم :
منتدى المقالات والنقد - رابط الموضوع الأصلي : في ضيافة الشعر ... |