( 104 ) مدار الأفكار
فضل العمل
يقول الشاعر العربي:
بِقَدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِـي=ومَنْ طلب العُلا سَهرَ اللَّيالِي
ومن طلب العُلا من غير كَدٍّ= أَضَاع العُمْرَ في طلب الْمُحَالِ
إن العمل آية الحياة ودليل الوجود ، و حق للإنسان كي ينسجم مع المعنى الحقيقي لوجوده ، وهو المصدر
الرئيسي للرزق والقوت الذي يرتجيه كل إنسان على وجه الأرض,ويعتبر العمل عزة وكرامة للإنسان,
ودرعاً واقياً عن الذل والهوان, وهو معروف للإنسان منذ بدء الخليقة ويعتبر بالنسبة له أحد العوامل الرئيسية
لاستمرار الحياة وتوفير مستلزماتها,وعلى ضوء عمل الإنسان يتحدد مستواه المعيشي والثقافي والاجتماعي
والاقتصادي, وفي ديننا الإسلامي الحنيف تتجلى أهمية العمل في كثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث
النبوية الشريفة , قال الحق سبحانه وتعالى : ( وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) ( التوبة :
105 ),وقال تعالى: ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) ,
( الملك : 15 ) , وقال عزّ وجل ّ: ( وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ)
( الأعراف : 10 ) , وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ),وقال
عليه الصلاة والسلام: (ما أكل أحد طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده) وقال أيضا : (من أمسى كالاًّ
من عمل يده أمسى مغفوراً له) , و يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أني لأرى الرجل
فيعجبني فأقول أله حرفة فإن قالوا لا سقط من عيني) , ويقول لقمان الحكيم : ( إياك والكسل والضجر، فإنك
إذا كسلت لم تؤد حقاً وإذا ضجرت لم تصبر على حق) , ويقول الأوزاعي : ( إذا أراد الله بقوم سوءاً أعطاهم
الجدل ومنعهم العمل ) , ويقول أبو العباس بن شريح : ( غبار العمل خير من زعفران العطلة ) وقيل :
( الدنيا ظلمات إلا موضع العلم , والعلم كله هباء إلا موضع العمل , والعمل كله هباء إلا موضع الإخلاص
) ,وقال بعض الحكماء: ( لا شيء أحسن من عقل زانه حلم، ومن عمل زانه علم) , وللعمل أهمية كبيرة
سواء للفرد أو المجتمع أو الدول، والدول والمجتمعات تقاس جديتها وتقدمها -كما يقول عبد الله بن راشد
السنيدي- : ( باهتمامها بالعمل، والدول المتقدمة في العصر الحاضر لم تصل إلى هذا المستوى من التقدم في
العلوم والفضاء والتقنية إلا بجدية أبنائها في العمل) ، ورمضان ليس مجرد شهر للصيام والعبادة فقط، بل
هو شهر للجد والاجتهاد و العمل والجهاد , ويحفل شهر رمضان الكريم بالعديد من الانتصارات الإسلامية
التاريخية , فقد كتب الله في هذا الشهر المبارك النصر للجيوش الإسلامية في كثير من الغزوات والمعارك
الفاصلة في تاريخ الإسلام ولعل من أشهرها وأعظمها : ( غزوة بدر الكبرى سنة ( 2هـ-623م) , و
غزوة الخندق سنة ( 5هـ ـ626م) , و فتح مكة سنة( 8هـ-629م) , و معركة القادسية عام (15هـ-
636م),و فتح بلاد الأندلس عام( 92هـ-711م ),وفتح عمورية سنة (223هـ - 838م)ومعركة حطين
سنة ( 583هـ - 1187م ) و معركة المنصورة سنة( 647هـ -1249 م) و معركة عين جالوت سنة
( 658هـ-1260م) وفتح شقحب سنة (702 هـ - 1304م ) ,وفتح قبرص في عهد المماليك عام
(829هـ - 1426م) , وفي العصر الحديث حرب العاشر من رمضان عام ( 1393هـ - 6 أتوبر
1973 م ) وفيها تمكنت القوات العربية المسلمة من الانتصار على القوات الصهيونية الغاصبة، فعبرت
الجيوش العربية قناة السويس وحطمت أسطورة "الجيش الإسرائيلي" الذي لا يقهر، وهدموا بفضل الله خط
بارليف , فرمضان هو شهر العمل والعبادة ، والجهاد والإنجازات والانتصارات، حيث أن الصيام مصدر قوة
روحية تدفع إلى العمل , وتمد المؤمن بالصبر والجلادة , وقوة العزيمة والإرادة ؛ وليس كما يعتقد البعض
بأنه شهر النوم والراحة و الكسل,والانقطاع والتفرغ للعبادة , وإهمال الأعمال وتعطيل مصالح العباد بحجة
أن الصيام يسبب التعب والخمول , فالعيب ليس في الصيام بل في الصائم المتقاعس عن أداء عمله ,
وتؤكد بعض الدراسات أن إنتاجية الموظف الخليجي ، كما هي إنتاجية العامل العربي، تنزل إلى أضعف
مستوياتها خلال شهر رمضان , بالرغم من أن الصوم في الإسلام يعتبر محفزاً على الإخلاص و حب
العمل , وطلب العلم والجهاد والاجتهاد , ودافعا للخير والترابط والتواصل الاجتماعي .
ما للكسل في شهر الإحسان عنوان= يا معتبر خـذ عبرتـك بالبراهيـن
تنبيك بدر وفتـح مكـة بوكـدان= والأندلـس والقادسيـة وحطيـن
عبدالعزيز الفدغوش