( 98 ) مدار الأفكار
احترام النظام
يقول الشاعر العربي :
وقامت أمـــة مثل البنـان=مضت تبني الحضارة و النظاما
تفـانى فوق ما يعني التفاني= وليس كمثله بـشـــر تسامى
في محطة للتزود بالوقود بإحدى مقاطعات بلاد ( الواق واق ) وقف طالبو الخدمة في صفوف منظمة وذلك
امتثالا والتزاما بروح النظام، واحتراما للذات ولإنسانية الخاص والعام، وإذا بأحد الشباب يتخطى الجميع
ويقف بمحاذاة عامل المحطة ويأمره بفظاظة وغلظة تزويد مركبته بالوقود استثناء من الدور، مما دفع صاحب
الأولوية وهو رجل وقور إلى النزول من مركبته ومعاتبة الشاب على فعلته فاستشاط غضبا و ثارت ثائرته
وطلب من الرجل الرزين بطاقته الشخصية وأن يرافقه إلى إدارة المرور التي يعمل ضابطا فيها برتبة
(نقيب)، ليقرر بحقه العقوبة التي يراها مناسبة لجريمته المتمثلة في (احترام النظام ) ومحاولة تطبيقه على
الجميع لأن القانون - وفقا لمنظور ذلك الشاب - غير قابل للتطبيق على الأكابر وعلية القوم، ولا يخضع له
إلا فاقدو فيتامين ( الواسطة)، فأعتذر الرجل الوقور منه وتنازل له عن دوره في الأولوية ملتمسا له عذر
الاستعجال الذي قد يكون بسبب مهمة تستوجب السرعة وعدم الانتظار إلا أن الشاب زاد في الغطرسة واعتبر
حلم الرجل وطول صبره ضعفا و أصر على موقفه بشأن مخالفته وتمادى في غيه مزهوا برتبته وانتصاره،
وعند ذلك لم يجد الرجل الحليم بدا من كشف شخصيته ليتضح بأنه يعمل بذات الإدارة وبرتبة ( عميد ) إلا انه
يحترم الأنظمة المعمول بها ويؤمن بأن الناس سواسية أمام قوة القانون مما أوقع الشاب والمنقول للإدارة
حديثا في موقف لا يحسد عليه، لقد تذكرت وقائع هذه القصة عندما قرأت أن النظام سلوكٌ دينيٌ ووعيٌ
حضاريٌ، وأنه أهم الأسس التي تقوم عليها الحياة، وأن أكبر شواهده احترامنا لذواتنا، والتزامنا بالصواب،
والبعد عن الخطأ في جزئيات حياتنا، والحذر من العشوائية والعبث والفوضى في أي شأنٍ مهما كان يسيراً،
فالنظام - كما يقول الدكتور محمود حمدي زقزوق-: (هو نقيض الفوضى والاضطراب والعشوائية
والارتجال، وإذا اختل النظام في مجتمع من المجتمعات تسود الفوضى وينعدم وضوح الحدود بين
الحقوق والواجبات، و بين ما يجوز وما لا يجوز)، ويقول الأمير خالد الفيصل: (لقد أصبحت دقة
الأنظمة وحظها من الاحترام المحك الرئيس للحكم على درجة رقي المجتمع وتقدمه، فنحن نرى
المجتمعات التي تسودها ثقافة احترام النظام قد احتلت موقعها البارز في قافلة التقدم، بينما تلك التي
يهون النظام في عيون أصحابها، تخور قواها ويهون في عيون الآخرين أمرها )، ويقول أحد العلماء
العرب : ( إن كل شيء عندنا على ما يرام، غير أننا أميون من حيث ثقافة ( الوقوف في الصف)،
وإن المجتمع الذي يفتقد تلك الثقافة يظل مكبلا بإرث الفوضى وازدراء النظام دون أي تقدم نحو الأمام )
، ويُعد احترام النظام إحدى القيم السلوكيةٌ الاجتماعية التي تُعنى بها المجتمعات وتحرص عليها، وتعمل
جاهدةً على تربية الأفراد على احترامها والتمسك بها حتى تكون سلوكاً يُعمل به وتتم ممارسته من قبل
الجميع، وإذا أمعنا النظر في تعاليم وتوجيهات وإرشادات ديننا الإسلامي الحنيف وتربيته الإسلامية
السامية، فإننا سنجدها قد حثت ودعت وعملت على تفعيل هذه القيمة التي تأتي كمبدأٍ وشعارٍ ينادي به
الجميع، ثم تحويله إلى سلوكٍ يمارسه الأفراد في حياتهم اليومية، ويتخلق به المجتمع في كل شأنٍ من
شؤون الحياة، وانطلاقاً من هذا المبدأ ؛ فإن على كل فردٍ في المجتمع أن يُعنى عنايةً خاصةً
بمسؤولياته المختلفة تجاه مجتمعه الذي ينتمي إليه، وأن يستشعر أهمية الواجب الملقى عليه في هذا
الشأن، ويأتي من أبرز هذه الواجبات أن يُسهم بإخلاصٍ وفعالية في حل مُشكلاته، وأن يعمل على نشر
الوعي في أوساطه، وأن يحرص على تفعيل مبدأ احترام النظام بين أفراده وجماعاته ؛ سواءً كان
كبيراً أم صغيراً، ذكراً أم أُنثى، مُتعلماً أم غير مُتعلم، مسؤولا أم غير مسؤول، و من أهم أساليب
احترام النظام أن يكون الإنسان قدوةً حسنةً وأسوةً طيبةً لمن حوله في القول والعمل والمظهر، وأن
يكون مُلتزماً في واقعه بالسلوك الاجتماعي المقبول في المجتمع، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا
بالتحلي بالأخلاق الفاضلة، والتمسك بالقيم الخُلقية والمبادئ والمُثل العُليا التي عليه أن يدعو إليها،
وأن يبُثها بين الآخرين من خلال تعامله الحسن وسلوكه المنظم وتصرفاته المُنضبطة، ويأتي من أبرز
الأساليب وأنفعها أن يحرص الإنسان على تقويم وتصحيح ما قد يصدر عنه من سلوكياتٍ خاطئةٍ غير
مقصودة، وأن يرجع إلى جادة الصواب إذا ما وقع في الخطأ . و أن يعمل على مُساعدة الآخرين من
حوله على اكتشاف دورهم الاجتماعي في الحاضر والمُستقبل الذي يمكنهم من خلاله المُشاركة
الجماعية في تنمية مظاهر الانضباط الذاتي للمجتمع، والطاعة الواعية عند أفراد المجتمع، فالنظام
هو الحياة الصحيحة بكل ما تعنيه من تخطيط سليم وتحضر ورقي في الفكر وفي السلوك، أما الفوضى
فإنها تعني التخلف والانفلات من كل القيم والنظم وهذا أمر مضاد لكل تعاليم الإسلام ولكل القيم
الحضارية المعتبرة.
يا ابن العرب حافظ على دين الإسلام= واحرص على تنفيذ روح النظامـي
ترى احترام الأنظمة هـدي وإلهـام=وسيما تقدم فـي عيـون الأنامـي
عبدالعزيز الفدغوش