( 24 ) مدار الأفكار
سقوط الأقنعة
يقول الشاعر العربي:
إن تغدفي دوني القناع فإنني=طبّ بأخذ الفارس المستلئم
أثني علي بما علمت فإننـي= سمح مخالقتي إذا لم أظلم
إن القناع كما يعرّفه أرباب اللغة هو غطاء للوجه أو الرأس , يوضع للتنكر أو الوقاية ويعمل من مواد
مختلفة وقد بقيت من آثار القدماء أقنعة من الحجر أو الخشب تستعمل لأغراض طبية أو دينية أو مسرحية
, واستعملت الأقنعة في الدراما اليابانية المعروفة باسم ( النو ) وفي المسرحيات الدينية بالمعابد الصينية
وكانت الأقنعة اليونانية القديمة في التمثيل لها أنابيب معدنية من شأنها تضخيم صوت الممثل وأحتفظ في
المسرح الروماني باستعمال الأقنعة وانتقلت إلى المسرح الإيطالي في أول عهده , وكانت الأقنعة من صفات
كوميديا الفن الأساسية , كما استعملت في مسرحيات المعجزات في القرون الوسطى وفي المسرح التعبيري
بألمانيا واستعملها المؤلف الأمريكي يوجين أونيل ) في مسرحيتي ( الإله الكبير براون ) و ( ثم ضحك
لعازر ) ,واستعملت أقنعة الوجه للموتى من عهود قديمة وكانت عند الرومان تصنع من الشمع وعند قدماء
المصريين من الذهب الرقيق القشرة , والطريقة الحديثة لعمل الأقنعة هي وضع طبقة من الزيت والدهن ثم
تغطى بالجبس ويسمح لها بأن تجف ثم ترفع عن الوجه فتكون بمثابة قالب لقناع الوجه , ولأن حب
الشهرة وطلب الأضواء والتمتع بمزاياها ورونقها من الأمور التي جُبلت عليها النفس البشرية واستحسنتها
وشغفت بها، مما دفع كثيرا من الشعراء وأشباه الشعراء وأدعياء الثقافة والأدب إلى السعي نحو بريقها
والارتماء في أحضانها والتشبث بها وبذل كل السبل لتحقيق تلك الغاية، وإن تطلب الأمر ارتداء أقنعة تخفي
خلفها ( صورا ) غير حقيقية لمن يرتديها , ولكن مهما بلغت أساليب الزيف والتضليل والخداع من الدقة
والإتقان من قبل( البعض) ممن يسعى إلى إضفاء صفة النجومية والأمجاد الزائفة على أقاربهم وأصدقائهم
ومعارفهم ومن سار في فلكهم أو ارتبط معهم بمصالح خاصة، فإن هذه الطرق الملتوية والمجانبة للصواب
والتي لا ترتكز على أسس سليمة وأرضية صلبة ستتضح يوما لا محالة لتسقط تلك الأقنعة وبسقوطها تبدو
الأمور على حقيقتها ، ومن بوادر ذلك ما نقرأه بين فترة وأخرى من أصوات متزنة تنادي بتعرية الأدعياء
وكشف حقائق النجوم المزيفة، وقد انكشفت بعض الخفايا على الرغم من محاولة مطبوعات معينة الوقوف
إلى جانبهم وتلميع صورهم بنعوت وألقاب قصد منها إلحاقهم بركب التميز والإبداع، ولكن الخداع والضحك
على الذقون وذر الرماد في العيون لن يستمر طويلا ولا يصح إلا الصحيح وسنشهد قريبا سقوط كثير من
الأقنعة.
قل للذي يسعى بأساليب تضليل=ما يخدع المخلوق دايم محـالا
نور الحقايق جالي ٍ ظلمة الليل=وكشف الحقايق للخلايق توالا
عبد العزيز الفدغوش
الأربعاء, 20 - أغسطس - 2008