(6)
تساؤلات منطقية
الصوت المتمرد داخلنا
هل صوت الضمير في داخل الذات، صيحة تمرد .؟ للتمرد صيحة هي صيحة داخلية أحيانا لا يسمعها إلا الذات لأنها صوت ضميره، وربما تمضي هذه الصيحة بجانبك من غير أن تعيرها اعتبارا، أو توليها أدنى اهتمام. ولكل منا صيحته الخاصة، التي تعتبر تنفيس عن ما يجول في داخل فؤاد ذلك الشخص. ربما تكون آهات أو تأسف على أوضاع الماضي المنتهي، وربما تكون تحسر وألم على حاضر خفي، وربما يكون فقدان أمل وشعور بالضياع على المستقبل المجهول.
وقد تختلف صيحاتنا من حيث المصدر، وكذلك من حيث القوة، للكثير من الأسباب. إلا أن هذه الصيحات موجودة في داخلنا، كصوت الضمير داخل تلك الذات البشرية. وعند انطلاق تلك الصيحة في لحظة ما، تريد تلك الذات إسماع كل شيء حولها في الطبيعة، سوى البشر. وهناك من يسمع صيحات الآخرين في ضميره وفؤاده؛ رغم الصمت الرهيب الذي يسود المكان، والهدوء الملل الذي قتل التفكير.
بعض المواقف ينصح بالاستماع للذات وصيحاته المتوالية. رغم خجل تلك الصيحات وصوتها الخافت في الذات إلا أنه يجب الإنصات لها؛ لأنها لحظات قد لا تتكرر إن لم تعيرها اهتمامك. تلك الصيحة هي عبارة عن صوت رافضا و متمردا على الوضع الموجود في الواقع من حول تلك الذات. لأن ما هو موجود يخالف حسب قواعد الضمير المنطقية لما المفروض يكون موجودا. فخرجت تلك الصيحة تحذيرا وتنبيها للخل الحاصل بين ما هو واقع فعليا، وبين الوضع المثالي وهو الوضع الذي يقبله الضمير وفق قواعده المنطقية.
تلك الصيحة هي عبارة عن تحليل أحداث الواقع من حول تلك الذات أو في موقف معين، ومن خلال ذلك التحليل يتم اكتشاف أن تآليفات أحداث الواقع (الموقف) لا تعتمد على قواعد صحيحة يقبلها العقل. فتطلق تلك الصيحات كجرس إنذار لخلل ما، في عدم توافق تلك الأحداث في الواقع مع القواعد الصحيحة التي يقبلها العقل (القواعد المنطقية) يقول جورج بول في كتابه "بحث في قوانين الفكر" ما يلي " إن صحة الإجراء في التحليل لا يعتمد على تفسير الرموز وإنما يعتمد على القواعد التي تحكم تآليفات تلك الرموز". فكل شيء حولنا يمثل رموز يحاول العقل من خلال بعض العمليات العقلية أن يتوصل إلى القواعد التي تسير وفقا لها تلك الرموز. وبعض الرموز يكون في حدوثها تواتر (تكرار) وفق قوانين معينة، مما يسهل تفسيرها. وهناك أحداث وظواهر لا يكون في اطراد أو تواتر فيصعب على العقل البشري التوصل للقانون أو القاعدة التي من خلالها يمكن تفسير تلك الظاهرة.
هل استمعت يوما لصوت ضميرك في داخل ذاتك.؟ رغم رؤيتي السوداوية للأمور التي من خلالها أقول ببعض التفكير السطحي، محاولا تحليل بعض الرموز من حولي التي تشكل عالمي الخاص، وأحيانا أطلق لها العنان لتمتد نزعتي التحليلية إلى محاولة تفسير بعض الظواهر والأحداث حولي. فتلك اللحظات كثيرة إلا أن تفاعلي معها لا يكون بنفس درجة القوة. ولعلي أذكر من تلك الأصوات، صوت يتساءل كثيرا ويلح علي بالسؤال. إلى متى يستمر هذا الحال من تدهور التعليم عامة، والتعليم العالي خاصة؟ حاولت الإجابة على هذه التساؤل إلا أن ذلك الصوت لم يقتنع بالإجابة وراح يستطرد بالأسئلة حتى مللت أن أجيبه على تساؤلاته. أتذكر من أسئلته، يقول: "كيف لبلد يريد أن ينهض ويكون واجهة و مركزا اقتصاديا بدعوى سامية من سمو أمير البلاد حفظه ورعاه، وفي المقابل يتم حذف مادة علم الاقتصاد التي تدرس في المرحلة الثانوية.؟" حقيقة هي خسارة كبرى حذف مادة علم الاقتصاد من المرحلة الثانوية وكانت بمثابة بعض الأساسيات الاقتصادية التي تفيد الطالب في حياته العامة وأيضا تفتح المجال أمامه لمعرفة هذا التخصص من خلالها يستطيع تحديد ميوله إن كان يريد استكمال دراسته في هذا المجال في التعليم الأكاديمي، من عدمه.
وأتذكر أن هذا الصوت عارضني بشدة وطلب تفسير آخر حيث قال:"بلد يريد النهوض بأجياله القادمة وتلك الأجيال مدعمه بروح القيم الاجتماعية الأصيلة لهذا البلد من خلال ما نصت عليه الشريعة الإسلامية وما ورثناه من الآباء والأجداد من قيم وعادات وتقاليد وأعراف دعامتها الله الوطن و الأمير، ثم حب أفراد المجتمع الواحد المتكاتف؛ وفي المقابل يتم حذف مادة علم الاجتماع التي تعزز تلك القيم في نفوس طلاب المرحلة الثانوية.؟" علم الاجتماع حذف سبب كارثة لازال يعاني من مخلفاتها جسد الهيئة التعليمية، وهو حال معلمي ومعلمات علم الاجتماع المتواجدين ضمن الهيئة التعليمية، أو من هم يريدون أن ينضموا إلى الهيئة التعليمية من نفس التخصص علما بأن الغالبية العظمى من أصحاب الاختصاص هم من الكوادر الوطنية. هذا جانب. أما الجانب الآخر فعلا نحن نعيش في زمن كثر فيه الانحلال الأخلاقي والتنكر للكثير من العادات والتقاليد والأعراف الحميدة التي تدعمها الشريعة الإسلامية، إلا أن أملنا الوحيد واليتيم في غرس تلك القيم هي مادة التربية الإسلامية، رغم أن الكوادر الوطنية في هذا التخصص ليست مثل نسبة الكوادر الوطنية في تخصص علم الاجتماع. هذه نقطة يطول فيها الشرح لنوعية القيم التي يعززها المعلم من نفس المجتمع لأفراد المجتمع نفسه؛ ومعلم ينتمي لمجتمع آخر يريد أن يعزز قيم مجتمع لا يكاد يعرف عنه إلا معالمه الخارجية.
صمت ذلك الصوت وتركني لحظات وعاد بصوت أقوى يقول: "بلد مشهود له بالديمقراطية والحرية في شتى مجالات الحياة، كيف يفرض على جميع طلاب المرحلة الثانوية مادة دراسية من أصعب مواد القانون في الجامعة وهي مادة (الدستور).؟" هذا البلد بلد ديمقراطي و يسعى أن يعلم الأجيال القادمة دستور بلدهم، فلابس طرح مثل هذه المادة على المرحلة الثانوية لما تتمتع به هذه المرحلة من نضوج عقلي لدى الطالب، وتسهيلا على الطلاب الذين يريدون استكمال دراستهم الأكاديمية في كلية القانون من خلال معرفتهم بدستور بلدهم. صحيح أنني لا زلت معارضا هذه المادة لعدة أسباب رغم وجاهة مسبباتها. ومن أسباب اعتراضي عليها أولا: كم عدد الطلاب الذين استفادوا من هذا المقرر في حياتهم الأكاديمية، نسبة لا تذكر. ثانيا: حجم المادة البسيط هل فعلا يحقق الفائدة المرجوة من وضع هذه المادة في المرحلة الثانوية. أبدا ولا حتى بمساعدة مسابقة الدستور السنوية. ثالثا: من هو المعلم المسئول عن تعليم هذه المادة التي تعتبرها كلية القانون من أصعب مواد القانون. معلم الاجتماعيات والذي تخصصهم فلسفة-علم نفس- علم اجتماع- تاريخ- جغرافيا، ولا تتساءل عن حجم الأخطاء التي وقعت في تعليم وتعلم هذه المادة خلال السنوات الماضية في مدارسنا. حتى لا تزيد عليك الصدمة. رابعا: لو وضعت مادة تحت مسمى مبادئ القانون والسياسة، لكانت الفائدة المرجوة أكبر، وإتاحة الفرصة أمام طلاب المرحلة الثانوية معرفة حقوقهم السياسية والقانونية، بالإضافة إلى تعرف الطلاب على كليتين مختلفتين من خلال تلك المعرفة من الممكن أن تطور ميول الطلاب سياسيا وقانونيا وأكاديميا. تلك بعض أسباب الرفض ولازال هناك المزيد.
ضحك ذلك الصوت وأعلن نهاية النقاش وقال: "لماذا كل هذه التناقضات التي يعيشها قسم ينادي بالمثالية والمنطق والأخلاق والسلام النفسي، أليس هي غريبة تلك التناقضات التي يعيشها قسم الاجتماعيات وخصوصا فرع الفلسفة وعلم النفس.؟" رحل دون أن ينتظر الإجابة تاركا علامة تعجب وسط تساؤلات منطقية، أتعبت كاهل من يحاول الإجابة عليها رغم بساطتها وكلي ثقة بأن ذلك الصوت سيعود ومعه جملة أسئلة قد تختلف بقوتها وموضوعها، إلا أن ليس كل الأصوات يسمع له، لأن بعض الأصوات هو عبارة عن رد لفعل يساويه بالمقدار ويعاكسه بالاتجاه. في إلى اللقاء مع تساؤلات منطقية جديدة.
هذا وتقبلوا مني أغلى تحية ........... فيلسوف الكويت
1 ديسمبر 2010
الإسكندرية