(201 ) مدار الأفكار
أَجْرُ العَشْر
يقول الشاعر العربي :
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى = ولاقيت يوم العرض من قد تزودا
ندمت على ألا تكون كمثله = وانك لم ترصد كما كان ارصدا
إن من فضل الله على عباده أن جعل مواسم الخير تتكرر وتعاد, وتجدد مشاعل الهمة والاجتهاد, وتعين المسلم
على زيادة الأجر والعمل الصالح, ومن أعظم مواسم الخير وأجل أيام العمل هي الأيام العشر الأُول من ذي
الحجة التي فضلها الله سبحانه وتعالى على سائر الأيام، وأودع فيها الكثير من الخيرات وعظيم الثواب و البركات
,و لشرفها وفضلها ومكانتها فقد اقسم الله جل وعلا بها فقال سبحانه وتعالى : (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ) ( الفجر: 2)
، قال ابن كثير رحمه الله: ( المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغيرهم ) , وقيل
أنها هي العشر التي أكملها الله لموسى عليه السلام, قال تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ)
( الأعراف : 142 )، وهي الأيام المعلومات التي قال الله تعالى عنها: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى
مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) ( الحج : 28 ) ، وفي فضل هذه الأيام العشر قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما
من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله، قال:
ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء )، ومن فضائل هذه الأيام العشر
أنها تشتمل على يوم عرفة الذي فيه أداء الركن الأعظم من أركان الحج، وهو الوقوف بعرفة، الذي أخبر النبي
صلى الله عليه وسلم أن الله ينزل في عشيته إلى السماء الدنيا فيباهي الملائكة بأهل عرفة، فيقول: ( انظروا إلى
عبادي شعثا غبرا أتوني من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي،أشهدكم أني قد غفرت لهم)، فهو
يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار,وفي فضل صيامه لغير الحاج قال النبي صلى الله عليه وسلم : (صيام يوم
عرفه احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)، وقال صلى الله عليه وسلم: ( ما من أيام أحب
إلى الله أن يُتعبد له فيها من عشر ذي الحجة, يعدل صيام كل يوم منها بسنة وكل ليلة منها بقيام ليلة القدر), وفي
لطائف المعارف يقول ابن رجب رحمه الله : ( لما كان الله سبحانه قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنينا إلى
مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادرا على مشاهدته كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في
عمره، وجعل موسم العشر مشتركا بين السائرين والقاعدين) , وفي اليوم العاشر يكون عيد النحر الذي تؤدَّى فيه
معظم مناسك الحج ,من طواف وسعي وذبح للهدي وحلق أو تقصير،لذلك يسمى يوم الحج الأكبر, ويقول ابن
حجر: ( والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها وهي الصلاة ,
والصيام , والصدقة , والحج ولا يأتي ذلك في غيرها )،فهي أيام مباركة عظيمة , وفيها فضائل جليلة
عميمة,ويستحب فيها شغل الأوقات بالطاعات القولية والفعلية ومنها التبكير إلى الفرائض والإكثار من النوافل
,وتلاوة القرآن ,والصيام, و التكبير والتهليل والتحميد , وصلة الرحم وزيادة الطاعات وبذل الصدقات، والتوبة
إلى الله والإقلاع عن المعاصي والمنكرات, و يشرع في هذه العشر أن من أراد إن يضحي عن نفسه، أو عن نفسه
وغيره، انه إذا دخل في العشر لا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئا حتى يذبح أضحيته، ويشرع كذلك في يوم
النحر ذبح الهدي أو الأضاحي، إحياء لسنة أبونا إبراهيم عليه الصلاة والسلام واقتداء بهدي نبينا محمد صلى
الله عليه وسلم، قال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)( الكوثر: 2 )،وفي هذه الأيام المباركة التي أشرقت أنوارها
وعمت بركاتها ينبغي للمسلم أن يستغل أوقاته بالطاعات,والقيام بالواجبات,والابتعاد عن المنهيات وأن يغتنم
مواسم الخير في رفع الدرجات ومضاعفة الحسنات ,واستدراك النقص وتعويض ما فات، والتعرض للنفحات
التي تجاب فيها الدعوات وتُغْتفر فيها الزلاّت، وتُكفّر السيئات،فالسعيد من جعل الدنيا معبر وطريق إلى الآخرة .
يا متبع بين الورى نهج الأخيار = حذرا يطوفك بالعمل موسم الخير
احرص على النفحات بالسر وإجهار = وجدد نشاطك يا منار المناعير